للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصحة خلافته بعد صلح الحسن إلا أنه غير راشد (١)

والراشدون هم الخمسة، (٢) بل قالوا إنه باغ. (٣)

فإن قلت إذا ثبت بغيه لم لا يجوز لعنه؟ جوابه: إن أهل السنة لا يجوزون لعن مرتكب الكبيرة مطلقا، فعلى هذا لا تخصيص بالباغي لأنه مرتكب كبيرة أيضا، على أنه إذا كان باغيا بلا دليل، وأما كان بغيه بالاجتهاد ولو فاسد فلا إثم عليه فضلا عن الكبيرة ويشهد لهم قوله تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}. والأمر بالشيء نهى عن ضده عند الإمامية، فالنهي عن اللعن واضح. نعم ورد اللعن في الوصف في حق أهل الكبائر مثل قوله تعالى {ألا لعنة الله على الظالمين} وقوله تعالى {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} لكن هذا اللعن بالحقيقة على الوصف لا على صاحبه، ولو فرض عليه يكون وجود الإيمان مانعا والمانع مقدم كما هو عند الشيعة، (٤) وأيضا وجود العلة مع المانع لا يكون مقتضيا، فاللعن لا يكون مترتبا على وجود الصفة حتى يرتفع الإيمان المانع، وقوله تعالى {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك رءوف رحيم} نص في طلب المغفرة وترك العداوة بحيث جعل على الإيمان من غير تقييد، ويشهد لهم ما تواتر عن الأمير من نهي لعن أهل الشام، قالت


(١) ومعاوية نفسه - رضي الله عنه - يرى بدء خلافته من يوم مبايعة الحسن - رضي الله عنه - له بالخلافة، ومع ذلك فإنه في عشرين سنة تقدمت على ذلك مدة الخلافة الصديق والفاروق وذي النورين إلى عام الجماعة كان الحاكم المثالي في العدل والحكمة والسيرة الصالحة، ثم كان كذلك في عشرين سنة أخرى تولى فيها جميع أمور المسلمين عادلا مجاهدا فاتحا صالحا. روى الإمام الحافظ الثقة أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الأثرم المتوفى بعد سنة ٢٧٠ وكان من أعلام المسلمين قال: حدثنا محمد بن حواش عن أبي هريرة المكتب قال: كنا عند سليمان بن مهران الأعمش (المتوفى سنة ١٤٨ في خلافة أبي جعفر المنصور) فذكر عمر ابن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: لا والله، بل في عدله. وذكر أبو إسحاق السبيعي معاوية فقال: «لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم كان المهدي» ..
(٢) قال ابن تيمية: «ومنهم من يقول: بل معاوية مجتهد مخطئ، وخطأ المجتهد مغفور، ومنهم من يقول بل المصيب أحدهما لا بعينه، ومن الفقهاء من يقول كلاهما كان مجتهدا، لكن علي كان مجتهدا مصيبا، ومعاوية كان مجتهدا مخطئا، والمصيب له أجران والمخطئ له أجر، ومنهم من يقول: بل كلاهما مجتهد مصيب، بناء على قولهم كل مجتهد مصيب، وهو قول الأشعري، وكثير من أصحابه وطائفة من أصحاب أحمد وغيره». منهاج السنة النبوية: ٤/ ٣٩٢.
(٣) بل قال الشيعة أكثر من ذلك، والمؤلف يخاطب الشيعة بعقليتهم ليعود بعد ذلك فينقض كل ما تظاهر به لهم. أما المنصفون من أعلام أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقولون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (٣: ١٨٥): «لم يكن من ملوك الإسلام ملك خيرا من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده. وإذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل. وقد روى أبو بكر الأثرم - ورواه ابن بطة من طريقه - عن محمد بن عمر بن جبلة عن محمد بن مروان عن يونس بن عبيد البصري عن قتادة بن دعامة السدوسي أحد أعلام الإسلام في البصرة أنه قال: «لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي».
(٤) ينظر: محسن الطباطبائي، حقائق الأصول: ١/ ١٩١؛ والخميني في تهذيب الأصول: ١/ ٢٢٧.