للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن الآيات قوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا بعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}. (١) الحاصل أن الله تعالى وعد المؤمنين الصالحين - الحاضرين وقت النزول - بالاستخلاف والتصرف، كما جعل داود - عليه السلام - الوارد في حقه {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} وغيره من الأنبياء، وبإزالة الخوف من الأعداء الكفار والمشركين، وبأن يجعلهم في غاية الأمن حتى يخشاهم الكفار ولا يخشون أحدا إلا الله تعالى، وبتقوية الدين المرتضى بأن يروجه ويشيعه (٢) كما ينبغي. ولم يقع هذا المجموع إلا زمن الخلفاء الثلاثة لأن المهدي ما كان موجودا وقت النزول، والأمير وإن كان حاضرا لكن لم يحصل له رواج كما هو حقه بزعم الشيعة، بل صار أسوأ وأقبح من عهد الكفار كما صرح به المرتضى في (تنزيه الأنبياء والأئمة) (٣) مع أن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم خائفين هائبين من أفواج أهل البغي دائما (٤). وأيضا الأمير فرد من الجماعة، ولفظ الجمع حقيقة في ثلاثة أفراد ففوق، والأئمة الاخرون لم يوجد فيهم مع عدم قصورهم تلك الأمور كما لا يخفى، وخلف الوعد ممتنع اتفاقا، فلزم أن الخلفاء الثلاثة كانوا هم الموعودين من قبله تعالى بالاستخلاف وأخويه (٥) وهو معنى الخلافة الراشدة المرادفة للإمامة.

وقال الملا عبد الله المشهدي في (إظهار الحق) بعد الفحص الشديد يحتمل أن يكون «الخليفة» بالمعنى اللغوي و «الاستخلاف» الإتيان بأحد بعد آخر كما ورد في حق بنى إسرائيل {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض} والمعنى الخاص مستحدث بعد الرحلة. جوابه: أن الاستخلاف غير مستعمل في الكلام بالمعنى اللغوي،


(١) ذهب الإمامية إلى أنها نزلت بشأن الأئمة، فعن عبد الله بن سنان قال: «سألت أبا عبد الله (- عليه السلام -) عن قوله عز وجل ... الآية، قال نزلت في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده عليهم السلام و (ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي) قال: عني به ظهور القائم». كنز الدقائق: ٩/ ٣٣٥؛ تفسير الصافي: ٣/ ٤٤٣؛ البحراني، البرهان: ٤/ ١٤٥؛ وروى الكليني عن الصادق - عليه السلام - أنه سئل عن هذه الآية، فقال: «إنهم الأئمة عليهم السلام». الكافي: ١/ ١٩٣.
(٢) من الشيوع والعموم
(٣) تنزيه الأنبياء: ص ١٣٥.
(٤) المؤلف يتكلم بلغة الدين يخاطبهم من الشيعة كما تقدم التنبيه على ذلك ليتمكن من نقض مزاعمهم وإبطالها.
(٥) وهما أن يمكن الله لهم دينهم الذى ارتضى لهم، أن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا.