للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقاعدة الأصولية للشيعة أن الألفاظ القرآنية ينبغي أن تحمل على المعاني الاصطلاحية الشرعية حتى الإمكان، لا على المعاني اللغوية. وإلا فالشرعية كلها تفسد ولا يثبت حكم كما لا يخفى. وأيضا كيف يصح تمسكهم بحديث «أنت مني» الخ المنضم إليه {اخلفني في قومي} وكيف التمسك بحديثهم «يا علي أنت خليفتي من بعدي» (١)؟ ولقد سعى المدققون من الشيعة في الجواب عن هذه الآية وتوجيهها، وأحسن الأجوبة عندهم اثنان: الأول أن «من» للبيان لا للتعبيض، و «الاستخلاف» الاستيطان. قلنا: حمل «من» الداخلة على الضمير على البيان مخالف للاستعمال وبعيد عن المعنى في الآية الكريمة وإن قال به البعض، سلمنا لكن لا يضرنا لأن المخاطبين هم الموعودون بتلك المواعيد وقد حصلت لهم، إلا أن الاستخلاف غير معقول للكل حقيقة، فالحصول للبعض حصول للكل باعتبار المنافع. وأيضا قيد «اعملوا الصالحات» وكذا «الإيمان» يكون عبثا إذ الاستيطان يحصل للفاسق وكذا الكافر. وأيضا حاشا القرآن من العبث. الثاني أن المراد الأمير فقط وصيغه الجمع للتعظيم أو مع أولاده خوف. قلنا يلزم تخلف الوعد كما لا يخفى، إذ لم يحصل لأحد منهم تمكين دين وزوال خوف، والناس شاهدة على ذلك. (٢)

وانظر أيها المنصف الحصيف واللوذعي الشريف إلى ما قاله الإمام مما ينحسم فيه الإشكال في هذا المقام؛ ذكر في (نهج البلاغة) للمرتضى الذي هو أصح الكتب عندهم أن عمر بن الخطاب لما استشار الأمير عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال، أجابه «إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده،


(١) ليست في كتب أهل السنة، بل من روايات الإمامية: ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: ٤/ ١٧٩؛ المجلسي، بحار الأنوار: ١٨/ ١٧٨.
(٢) قال الآلوسي الجد: «أقامها بعض أهل السنة دليلا على الشيعة في اعتقادهم عدم صحة خلافة الخلفاء الثلاثة، ولم يستدل بها على صحة خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه ... إن الله تعالى وعد فيها جمعا من المؤمنين الصالحين الحاضرين وقت نزولها بما وعد من الاستخلاف، وما معه ووعده سبحانه الحق، ولم يقع إلا في عهد الثلاثة، والإمام المهدي لم يكن موجودا حين النزول قطعا بالإجماع، فلا يمكن حمل الآية على وعده بذلك، والأمير كرم الله تعالى وجهه وإن كان موجودا إذ ذاك لكن لم يرج الدين المرضي، كما هو حقه في زمانه - رضي الله تعالى عنه - بزعم الشيعة، بل صار أسوأ حالا بزعمهم مما كان في عهد الكفار، كما صرح بذلك المرتضى في (تنزيه الأنبياء والأئمة عليهم السلام)، بل كل كتب الشيعة تصرح بأن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم ويظهرون دين المخالفين تقية، ولم يكن الأمن الكامل حاصلا في زمانه - رضي الله تعالى عنه -، فقد كان أهل الشام ومصر والمغرب ينكرون أصل إمامته ولا يقبلون أحكامه، وهم كفرة بزعم الشيعة .... فإن حمل لفظ الجمع على واحد خلاف أصولهم، إذ أقل الجمع عندهم ثلاثة أفرد، وأما الأئمة الآخرون الذين ولدوا بعد، فلا احتمال لإرادتهم من الآية إذ ليسوا بموجودين حال نزولها، ولم يحصل لهم التسلط في الأرض، ولم يقع رواج دينهم المرتضى لهم، وما كانوا آمنين بل كانوا خائفين من أعداء الدين متقين منهم، كما أجمع الشيعة، فلزم أن الخلفاء الثلاثة هم مصداق الآية فتكون خلافتهم حقة، وهو المطلوب». روح المعاني: ١٨/ ٢٠٥.