للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى بلغ ما بلغ وطلع، ونحن على وعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه {وعد الله الذين أمنوا} وتلا الآية، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده. ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق الخرز، ورب متفرق لم يجتمع، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكرم لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكرهه. وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة» (١) انتهى بلفظه. فتدبر فقد ارتفع الإشكال واتضح الحال والحمد لله رب العالمين.

ومنها قوله تعالى {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما} المخاطب بهذه الآية بعض القبائل ممن تخلف عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الحديبية لعذر بارد وشغل كاسد، (٢) وقد أجمع الفريقان أنه لم يقع بعد نزول هذه الآية إلا غزوة تبوك، ولم يقع فيها لا القتال ولا الإسلام، فتعين الغير. والداعي ليس جناب الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا محالة، فلا بد أن يكون خليفة من الخلفاء الثلاثة الذين وقعت الدعوة في عهدهم كما في عهد الخليفة الأول لمانعي الزكاة أولا وأهل الروم آخرا، وفي عهد الخليفة الثاني والثالث كما لا يخفى على المتتبع. فقد صحت خلافة الصديق لأن الله تعالى وعد وأوعد، ورتب كلا على الإطاعة والمعصية. فهلا يكون ذلك المطاع المنقاد له بالوجود إماما؟ المنصف يعرف ذلك.

وقد تخبط ابن المطهر الحلي وقال: «يجوز أن يكون الداعي


(١) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ٩/ ٩٩.
(٢) ردا على الإمامية الذين قالوا: «والصحيح أن المراد بالداعي هو النبي صلى الله عليه وآله، لأنه دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة، وقتال أقوام ذوي نجدة وشدة، مثل أهل خيبر والطائف ومؤتة ... ». مجمع البيان: ٥/ ١١٥؛ كنز الدقائق: ١٢/ ٢٨٦.