للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرسول - عليه الصلاة والسلام - في تلك الغزوات التي وقع فيها القتال، ولم ينقل لنا». وإذ فتح هذا الباب يقال كذلك: يجوز عزل الأمير بعد الغدير ونصب أبي بكر وتحريض الناس على اتباعه، ولم ينقل لنا. فانظر وتعجب. وقال بعضهم: الداعي هو الأمير، فقد دعا إلى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين. (١) ويقال فيه: إن قتل الأمير إياهم لم يكن لطلب الإسلام بل لانتظام أحوال الإمام، ولم ينقل في العرف القديم والجديد أن يقال لإطاعة الإمام (إسلام) ولمخالفته (كفر). ومع هذا نقل الشيعة روايات صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق الأمير أنه قال: إنك يا علي تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. وظاهر أن المقاتلة على تأويل القرآن لا تكون إلا بعد قبول تنزيله، وذلك لا يعقل بدون الإسلام، بل هو عينه، فلا يمكن المقاتلة على التأويل على الإسلام بالضرورة وهو ظاهر.

ومنها قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}. مدح الله تعالى في هذه الآية الكريمة الذين قاتلوا المرتدين بأكمل الصفات وأعلى المبرات، وقد وقع ذلك من الصديق وأنصاره بالإجماع، لأن ثلاث فرق قد ارتدوا في آخر عهده - عليه السلام -. (٢) الأولى بنو مدلج قوم أسود العنسي ذى الخمار الذي ادعى النبوة في اليمن وقتل على يد فيروز الديلمي، الثانية بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب المقتول في أيام خلافة الصديق على يد وحشي، الثالثة بنو أسد قوم طليحة بنى خويلد المتنبئ، ولكنه آمن بعد أن أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدا وهرب منه إلى الشام. وقد ارتد في خلافة الصديق سبع فرق: بنو فرازة قوم عيينة بن حصن، وبنو غطفان قوم قرة بن سلمة، وبنو سليم قوم ابن عبد ياليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر، وبنو كندة قوم أشعث بن قيس الكندي، وبنو بكر في البحرين. وارتدت فرقة في زمن عمر - رضي الله تعالى عنه - والتحقت بالنصارى إلى الروم. وقد استأصل الصديق كل فرقة وأزعجهم واستردهم


(١) يعني من قاتل علي بن أبي طالب في خلافته، وخاصة أهل صفين كما نقل عن الإمامية، وبذلك صرح المازندراني في المناقب: ٣/ ١٦٤؛ وقال أيضا: «المعني به أمير المؤمنين - عليه السلام - في قتال الخوارج». متشابه القرآن: ٢/ ٦٨.
(٢) لذا قال القمي في تفسير هذه الآية: «هو مخاطبة لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، الذين غصبوا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم، وارتدوا عن دين الله، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ... ». تفسير القمي: ١/ ١٧٠؛ وأخرجها أيضا الصافي في تفسيره: ٢/ ٤٢.