للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذًا قد يحذف المسند إليه وقد يترك المسند، والنحاة يعبرون بالحذف في الموضعين لأنهم لا يدققون في مثل هذه المواضع، قد يحتمل بعض الألفاظ أو بعض الجمل، إما حذف المسند أو حذف المسند إليه يحتمل هذا: فصبرٌ جميل مثال مشهور عند البيانيين، فصبرٌ جميل، فصبرٌ جميلٌ، صبرٌ جميل. جميل ما هو إعرابه؟ صفة ليس بخبر، فصبرٌ: هذا نكرة، جميل: هذا نعته، هذا يحتمل أن المحذوف المبتدأ فأمري أو حالي صبرٌ جميل، أو شأني صبرٌ جميل، فصبرٌ جميل أَجْمَلُ بي، أَجْمَلُ بي يعني: أحسن بي أن يكون، يحتمل أن يكون المبتدأ هو المحذوف ويحتمل أن يكون الخبر هو المحذوف، جَوِّز هذا أو ذاك، يعني: يجوز أن يكون المحذوف هو المسند إليه ويكون التقدير فأمري صبرٌ جميل، ويجوز أن يكون من حذف المسند فصبرٌ جميل أجمل بي، لكن الأولى أن يكون المحذوف المسند إليه هنا، لماذا؟ قالوا: وإن كان يحتملهما على السواء إلا أن الأول أولى لماذا؟

قالوا؟ لأن سياق الكلام للتمدح بحصوله له، لو قلت مثلاً: فأمري - شأني وحالي - صبرٌ جميل الصبر واقع أو لا؟ ماذا تفهم؟ تأملوا! واقع، فأمري صبرٌ جميل الصبر واقع أم لا؟ واقع، طيب صبرٌ جميل أجمل بي واقع أو لا؟ ليس بواقع. إذًا لو جاز أن يكون من حذف المسند إليه أو المسند نقول: في هذا المقام يترجح أن يكون المحذوف هو المسند إليه لأن يعقوب كان يتمدح بكون الصبر حاصلاً له، وهذا إنما يكون إذا حذف المسند إليه ولا يستويان من حيث المعنى. إذًا لأن سياق الكلام التمدح لحصوله له والإخبار بأن الصبر الجميل أجمل لا يدل على حصوله له، ففرقٌ بين المعنيين، ولكن القاعدة العامة عند النحاة أنه يجوز، إذا كان كلٌ منهما سائغ حينئذٍ جاز أن يكون الأول وجاز أن يكون الثاني، والقاعدة العامة بعضهم يرى أنها الخبر هو الذي يكون مذكورًا، والمسند إليه هو الذي يكون المبتدأ هو الذي يكون محذوفًا لأن الخبر هو محط الفائدة، فحينئذٍ لا بد من ذكره، وبعضهم يرى أن المبتدأ هو الذي يكون محذوفًا $ ١٧.٣٧كقاعدة عامة إذا لم يترجح المعنى لماذا؟ قالوا: لأن المبتدأ لا يكون إلا معلومًا، يعني: عندما أخبرك بأن زيد عالم، زيدٌ عالمٌ ما الذي تعلمه أنت من كلامي وما الذي تجهله؟ المبتدأ معلوم وإلا ما صار واسطة بيني وبينك في الحديث، لو جئتك بزيد ولا تعلمه وعالمٌ ولا تعلمه حينئذٍ ما حصل الخطاب، لا بد من مقدمة لأعرِّف لك من هو زيد ثم أصفه بكونه عالما، لكن إذا كان معلومًا زيدٌ عالمٌ إذًا المبتدأ هنا واسطة ووسيلة من أجل الحكم الذي هو الخبر، قيل: الخبر أولى بالذكر لأنه محط الفائدة، وقيل: المبتدأ لأنه العامل وأيضًا الحذف من الأواخر أولى.

على كلٍ إن رجح المعنى فهو الذي يُحْكَمُ به كما في المثال السابق، وإن لم يترجح فالظاهر إن الأولى أن يكون المحذوف هو المبتدأ - وإن كان عاملاً - فحذف العوامل كثير ليس بالقليل، يعني: هو قياسي مبتدأ عاملٌ في الخبر والحذف من الأواخر، نقول: هنا يراعى ماذا؟ يراعى القضية الكبرى وهي كون المبتدأ محكومًا عليه وكون المسند أو الخبر محكومٌ به، فحينئذٍ إذا كان كذلك فالأصل هو الجهل بالحكم وهو الذي تضمنه الخبر ولذلك إبقاؤه في اللفظ يكون أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>