إذًا الجار والمجرور لا يتعلق إلا بالفعل أو ما فيه معنى الفعل وهو الوصف، وهذا لا يكون إلا إذا كان مشتقًا، إذًا (الله) تعلق به في السماوات، وهذا يدل على أنه مشتق، إذًا هو دال على ذات موصوفة بصفة إلهية، الأصل هو الإله، وهو الإله، الإِله يعني المعبود المطاع، وهو مشتق - كما ذكرنا - على الصحيح. (الرحمن الرحيم) اسمان كريمان من أسماء الله تعالى الحسنى، والرحمن دال على الصفة القائمة بالذات، والرحيم دال على تعلقها بالفعل كما نص على ذلك ابن القيم وهو وجه حسن أنه إذا اجتمع الاسمان الكريمان الرحمن الرحيم، صار الرحمن دالاً على الصفة الذاتية، والرحيم دالاً على الصفة الفعلية، إذ الرحمة لها جهتان من جهة تعلقها بالذات فهي صفة ذاتية ومن جهة تعلقها بالمرحوم - يعني: الذي هو محل للرحمة - فهي صفة فعلية. قال ابن القيم رحمه الله: ولهذا لم يجئ بسم الرحمن متعديًا في القرآن قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}[الأحزاب: ٤٣]. جاء التعدِّي الرحيم ولم يأت تعدِّي الرحمن يعني: ولم يقل رحمانًا {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} رحيمًا بالمؤمنين {بِالْمُؤْمِنِينَ} هذا جار ومجرور متعلق بقوله: {رَحِيماً}. هذا القول وإن لم يكن شائعًا إلا أنه الأنسب بأنه يفسر الرحمن الرحيم بهذين المعنيين الذي هو الدال على صفة القائمة بالذات أو الرحمن، والدال على تعلقها بالمرحوم وهو الرحيم، وإن كان شاع بأن الأول الرحمن فعلان دال على الامتلاء بأنه يعم الكافر والمؤمن، والرحيم دال على تعلقها بالمؤمنين فهو خاص، نقول: نعم الرحمن هذا فيه زيادة مبنى فيدل على زيادة المعنى، وأما الرحيم فهو أقل منه حروفًا، وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: الرحمن من حيث المتعلق كذلك هو متعلق بالمؤمنين والكافر فهي رحمة عامة، وأما الرحيم فهي رحمة خاصة، ولذلك يقولون: عام المعنى خاص اللفظ، الرحمن عام المعنى لأنه واسع مدلوله يدل على الامتلاء وهو يتعلق بالمؤمن والكافر، بل حتى البهائم، وخاص اللفظ لأنه لا يطلق على غير الله إجماعًا، لا يطلق لفظ الرحمن على غير الله تعالى إجماعًا، أما الرحيم فهو خاص المعنى عام اللفظ، خاص المعنى لأنه متعلق بالمؤمن دون غيره، وأما كونه عام اللفظ فلأنه يُطلق على غير الله تعالى من حيث اللفظ تقول: جاء زيد الرحيم. {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}[الأحزاب: ٣٧] جاء في الموضع المراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - فيُطلق رحيم على المخلوق، لكن الرحمن هذا خاص بالرب جل وعلا.
وابتدأ البسملة المصنف اقتداءً بالكتاب العزيز والإجماع العملي من أرباب التصنيف على أنهم إذ أرادوا التأليف بدأوا ببسم الله الرحمن الرحيم.