للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الْحَمْدُ لِلّهِ وَصَلَّى اللهُ)، (الْحَمْدُ) اشتهر أن الحمد لغةً الثناء بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التعظيم، يعني: سواء كان في مقابلة نعمة أم لا، الثناء إنما يكون باللسان وهل هو خاص بالخير أم أنه يعم الشر؟ محل نزاع والجمهور على أن الثناء لا يكون إلا بالخير، ... وذهب بعضهم إلا أنه يكون في الخير كثيرًا وفي الشر قليل، ولذلك استدل بالصحابة رضي الله تعالى عنهم لما مر بجنازة أثنوا عليها خيرًا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وجبت». ومُرُّ بجنازة فأثنوا عليها شرًا، هذا محل الشاهد إذًا الثناء متعلقه الشر، والصحابة حجة، في اللغة حجة، يعني يحتج بأقوالهم، وإنما الخلاف في أقوالهم اللغوية يعني فهمهم اللغوي الصحابي حجة، وأما في مسألة الحكم الشرعي فهذه التي وقع فيها نزاع، إذًا الثناء الأصل فيه أن يكون بالخير وقد يكون في الشر كما مر في قول الصحابة. الثناء بالجميل على جميل الاختيار على جهة التعظيم، وعرفًا فعل يُنْبِئُ يعني: يشير. عن تعظيم الْمُنْعِم من حيث إِنَّهُ مُنْعِمٌ على الحامد أو غيره، وهذا تعريف شائع جدًا عند أرباب التصنيف لكن فيه، لأنه نظر؛ لأنهم خصوا الحمد بكونه في مقابلة الصفات المتعدية، الله عز وجل صفاته على نوعين:

منها ما هو لازم لا يتعدَّى أثره، كالكبرياء والعظمة.

ومنه ما يتعدَّى يكون ارتباطه بالمخلوق، كالرحمة مثلاً الرحمن، هذه صفة متضمن لصفة وهي الرحمة، وهذه متعدِّيَة للمخلوق، حينئذٍ إذا حصر الحمد في كونه يكون في مقابلة النعم حينئذٍ اختص بالصفات المتعدِّية وليس الأمر كذلك، بل يحمد الله تعالى على جميع صفاته حتى على استوائه على العرش وكونه عاليًا على العرش بذاته جل وعلا يحمد عليه. إذًا هذا الحد فيه شيء من النظر، فعلٌ ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم، إذًا لا من حيث إنه ليس منعم، نقول: هذا أخرج الصفات اللازمة وليس الأمر كذلك. منعم على الحامد أو غيره سواء كان باللسان أم بالجنان أم بالأركان، وهذا هو الشكر اللغوي، والشكر العرفي هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق لأجله.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في بيان الحمد وهو أجود مما ذكره غير واحد: أن الحمد هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. ذكر محاسن، والذكر يكون باللسان ويكون بغيره، ومحاسن جمع مَحْسَن فحينئذٍ يكون شامل للصفات الذاتية والصفات اللازمة والصفات المتعدية، وليس خاصًا بنوع دون نوع مع حبه وتعظيمه وإجلاله أخرج المدح إذ يكون فيه ذكر محاسن المحمود لكن لا مع المحبة والتعظيم وهذا هو الفرق بين الحمد والمدح، كلاهما ثناء إلا أن الثناء في الحمد يكون مع المحبة، لأن ليس كل من أثنى أحبك؟ قد يُثني عليك صباحًا مساءً يطريك بالشعر لكنك من أبغض الناس إليه، هذا لا يُسمى حمدًا، إنما يسمى مدحًا هو كذاب لكن لا يُسمى ماذا؟ يسمى مَدْحًا، إذًا فرق بينهما ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، و (أل) في الحمد للاستغراق، وهو قول الجمهور، وقيل للجنس وهو اختيار الزمخشري.

<<  <  ج: ص:  >  >>