(لِلّهِ) أي: اختصاصًا واستحقاقًا، فاللام صالحة للمعنيين، تكون بمعنى الاستحقاق، وتكون بمعنى الاختصاص، فهي صالحة للمعنين سواء جعلت (أل) للاستغراق حينئذٍ يكون المعنى أنواع الحمد، انظر المعاني هنا تختلف طالب العلم إذا قرأ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} في الصلاة واستحضر أن (أل) هنا للاستغراق، ما معنى الاستغراق؟ يعني: استغراق جميع الأفراد، واستحضر هو يقرأ {الْحَمْدُ للهِ} يعني: كل جميع أنواع الحمد التي تكون على ألسنة الخلق وما أثنى الله تعالى به على نفسه لله تعالى كائنة لله استحقاقًا واختصاصًا، أي: أنواع الحمد كلها ثابتة لله، أو للجنس وعليه حينئذٍ يكون جنس الحمد ثابتٌ لله، وإذا ثبت الجنس لله ثبت الأفراد لأنه يلزم من اختصاص الجنس اختصاص الأفراد، كما مر معنا مرارًا، إذًا على المعنيين الاستغراق أو الجنس لا يُصرف فردٌ من أفراد الحمد لغير الله، فكل أنواع الحمد ثابتة ومختصة بالله عز وجل دون ما سواه.
(الْحَمْدُ لِلّهِ) بدأ بالحمدلة هنا، ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز لأنه أول ما افتتح الله تعالى القرآن قال:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. [الفاتحة: ١، ٢] اقتداءً بالكتاب من ألف كتابًا من البشر حينئذٍ يبدأ بالبسملة ثم يثني بالحمدلة، واختار الجملة الاسمية (الْحَمْدُ لِلّهِ) وهذا يأتينا بحثه في المعاني على الفعلية اقتداءً كذلك بالنص الآية لأن الله تعالى قال: {الْحَمْدُ للهِ}. ولدلالتها على الثبات والدوام، لأنه - كما سيأتي معنا - أن الخبر يكون جملة اسمية، ويكون جملة فعلية، متى تختار الجملة الاسمية على الفعلية، ومتى تختار الجملة الفعلية على الاسمية؟
بناءً على المعنى، وهنا (الْحَمْدُ) لما كان في مقابلة الذات الموصوفة بالإلهية وهي دائمةٌ باقيةٌ مستمرة ناسب أن يأتي بلفظٍ يدل على الثبات والدوام لا على الاستمرار والتجدد إنما هو خاصٌ بالفعلية، إذًا اختار الجملة الاسمية هنا لمعنى وهو كذلك في الآية يقال هنا ويقال في قوله تعالى: ... {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. لماذا جاء بالجملة الاسمية دون الفعلية؟
نقول: لأن الجملة الاسمية تدل على الثبات والدوام، وهنا عَلَّقَ الحمد بماذا (الْحَمْدُ لِلّهِ)، (لِلّهِ) أي: دالٌ على ذاتٍ متصفة بالإلهية، والذات هذا الوصف كذلك باقٍ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ... [الرحمن: ٢٦، ٢٧]، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، إذًا لما كانت الذات باقيةً مستمرةً أبد الآباد لا يلحقها عدمٌ ولا فناء البتة ناسب أن يأتي بجملةٍ دالة على ذلك المعنى، وهذه تختص بها الجملة الاسمية دون الجملة الفعلية، واضحٌ هذا؟ لذلك جاء بالجملة الاسمية، وقَدَّمَ الحمد على لفظ الجلالة (الْحَمْدُ لِلّهِ) لأنه الأصل، لأنه مبتدأ، وأصل المبتدأ أن يتقدم على الخبر.