نعم يجوز رفعه محمدٌ، أي: هو محمدٌ خبرٌ لمبتدأٍ محذوف، إذًا (مُحَمَّدٍ) بالجر قلنا عطف بيان أو بدل من (رَسُولهِ)، ولا يجوز الرفع على أنه خبر لمحذوف أي: هو محمدٌ، والأول أولى يعني: الجر أولى، لأنه يجعل الكلام متصلاً بعضه ببعض، والقطع يجعله جملةً منفكة عن سابقه، والوصل مقدمٌ على القطع، محمدٌ علمٌ منقول من اسم مفعول المضعّف سُمِّيَ به لكثرة خصاله المرضية، (وَآلِهِ) بالجر عطفًا على (رَسُولهِ) وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام الدعاء، هنا مراد به أتباعه على دينه، فحينئذٍ يشمل كل متبعٍ، دخلت الأمة كلها التقي وغيره، ولم يذكر الصحب هنا إما اختصارًا أو اقتصارًا، اختصارًا بمعنى أنه تركه لأجل النظم أو الاختصار، واقتصارًا لكونه اقتصر على دخولهم في آل، إذا قلنا (وَآلِهِ) أتباعه على دينه دخل في أول من يدخل من؟ الصحابة، إذًا ذكر الصحابة، فلا نقول لهم لم يذكروا، ولكن تركه يعتبر اقتصارًا، وأما إذا لم نجعل الآل بمعنى الإتباع على الدين خصصناه بأقارب النبي - صلى الله عليه وسلم -، حينئذٍ لا يحمل كل الصحابة، إنما يشمل بعضهم دون بعضٍ. (مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَا) فعلٌ ماضٍ، فاعله ضمير مستتر يعود على الله تعالى سَلَّمَ لأن الذي صلَّى هو الله عز وجل، والذي سَلَّمَ هو الله عز وجل، إذًا فعلٌ ماضي كصلَّى وهو جملةٌ خبريةٌ لفظة إنشائيةٌ معنى، والألف فيه للإطلاق (سَلَّمَا)، وحذف متعلقه لدلالة ما سبق عليه، (وَسَلَّمَا) على رسوله (صَلَّى اللهُ) على رسوله، قال:(وَسَلَّمَا) على من؟ على رسوله، وحينئذٍ لا يكون من باب التنازع لأن الأول صلَّى (عَلَى رَسُولهِ) استوف متعلقه (وَسَلَّمَا) نقول: حُذِفَ المتعلق لماذا؟
لدلالة ما قبله عليه، إذًا سلَّمَ على من؟ (عَلَى رَسُولهِ)، ومعناه السلامة يعني: التحية، سَلَّمَ مَأْخُوذٌ من السلامة والمراد به التحية، وهنا أردف الصلاة بالسلام جمعًا بينهما امتثالاً لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا}[الأحزاب: ٥٦] فجمع بينهما امتثالاً للآية، وهو أعلى درجات الامتثال، لكن لو اقتصر على الصلاة دون السلام، أو على السلام دون الصلاة، لا إشكال فيه، وإن لم يكن ممتثلاً بمعنى أنه لم يكن كامل الامتثال، وإلا كان ممتثلاً، لأن دلالة الاقتران هنا غير معتبرة، بمعنى أن المطلوب ليس هو الجمع، المطلوب إحداث الصلاة، وإحداث السلام، ثم قد يكونان على جهة الجمع، وقد يكونان على جهة الإفراد، وليس في الآية ما يدل على أن المراد به الجمع، وإن كانت الواو لمطلق الجمع، لكن لو فعل أحد نوعي الصلاة دون السلام أو بالعكس لا نقول أنه وقع في كراهةٍ، وإن كان يعلل هنا أنه جمع بينهما هروبًا من كراهة تركهما أو الاقتصار على أحدهما - كما هو مشهور عند كثير من الفقهاء - لكن الصحيح أنه لا يكره إفراد الصلاة عن السلام، ولا إفراد السلام عن الصلاة لماذا؟ لعدم الدليل.
وأما الاستدلال بهذه الآية نقول: استدلالٌ بدلالة الاقتران وهي ضعيفةٌ عند جماهير الأصوليين.