للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَا ... وَبَعْدُ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنِّي أَنْظِمَا

(وَبَعْدُ) [هذا كلمة، أو] (١) هذه كلمةٌ يؤتي بها للانتقال من أسلوبٍ إلى أسلوبٍ آخر، يعني: انتقال من أسلوب المقدمة إلى الشروع في المقصود الذي عناه بنظمه، (وَبَعْدُ) هذا ظرف زمان مبنيٌ على الضم لقطعه عن الإضافة ونية معنى المضاف إليه على المشهور، أي: بعد الحمدلة والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (قَدْ أَحْبَبْتُ) هنا حذف الفاء، لأن الفاء هنا واجبة تتصل بجواب لأن الواو هذه نائبةٌ مناب أمَّا، وأما نائبةٌ مناب مهما، إذًا عندنا شرط وعندنا فعل شرط وجواب الشرط، هنا يجب اتصال الفاء بجواب الشرط، والأصل أما بعد فكذا، فحينئذٍ الفاء داخلةٌ أين هي؟

نقول: حذفها من أجل ضرورة النظم الوزن.

(قَدْ أَحْبَبْتُ) أي: فقد، حذف الفاء من الجواب لضرورة النظم، وأصله فقد أحببت أي: ملت وقصدت، والمحبة هنا على بابها النيل والقصد، (أَنِّي أَنْظِمَا) أي: أؤلف هذا على النسخة الموجودة عندكم، أي: أؤلف كلامي منظومًا، والنظم اسم لكلامٍ مقفى موزون، اسمٌ لكلامٍ لأن الشعر كلام، كما أن النثر كلام، لكنه مقفى، يعني: ذا قافيةٍ، موزون على أوزانٍ معلومة، وهي التفعيلات المشهورة عند أرباب الفن، ويُعَرِّفَهُ البعض بأن الكلام الموزون قصدًا لا بد أن يكون مقصودًا، فلو وافق الكلام تفعيلات بحرٍ ما لا يقال بأنه شعر لماذا؟ لأنه لم يقصد، لانتفاء القصد، فيشترط في الشعر أن يكون مقصودًا، وأما موافقة التفعيلات هذه هي مادة الشعر، حقيقة الشعر، ثم قد يتفقان في التفعيلات لأن التفعيلات عبارة عن حركات وسكنات، قد يتفق المنثور مع الشعر، فإن كان مقصودًا سُمِّيَ شعرًا وإلا فلا، مع اشتراط القافية، يقال إذًا (أَنِّي أَنْظِمَا) يقال: نَظَمَ اللؤلؤ جمعه في السلك وبابه ضَرَبَ، نَظَمَ أَنْظِمُ من باب أَضْرِبُ، إذًا بابه ضَرَبَ، وَنَظَّمَهُ تَنْظِيمًا مثله، ومنه نظم الشعر ونظَّمَهُ، إذًا يقال نَظَمَ الشعر ويقال نَظَّمَ الشعر، هذه النسخة الموجود المشهور (أَنِّي أَنْظِمَا) هذا فيها إشكال، لأن (أَنِّي) هذه الناصبه والياء اسمها و (أَنْظِمَا) هذا الألف للإطلاق، و (أَنْظِمَا) هذا فعل مضارع مبدوءٌ بهمزة المتكلم، وهو هنا منصوب، (أَنْظِمَا) بفتح الميم وأين الناصب؟ هذا محل إشكال ليس عندنا ناصب فكيف نُصِب؟

نقول: في بعض النسخ (أَنْ أُنَظِّمَ) نسخة من النسخ التي شرحت مخطوطات (أَنْ أُنَظِّمَا) وهي أسلم للاعتراض الذي في النسخة الموجودة المشهورة هذه، (أَنِّي أَنْظِمَا)، (أَنْظِمَا) فعل مضارع منصوب أين الناصب؟ ليس في النظم ما يدل على أنه منصوب، حينئذٍ بقي إشكال، ... (أَنْ أُنَظِّمَا) زال الإشكال؟ لأن نَظَّمَ أُنَظِّم لا إشكال عندنا الثلاثي نَظَّمَ أُنُظّم من باب كَرُمَ أَكْرَمَ، إذًا أُكْرِم أُنَظِّم أُنَظِّمَا فعل مضارع منصوبٌ بأن والألف هذه للإطلاق، إذًا اتحدا وهو أولى، أَنْ أَنْظِمَا (أَنِّي أَنْظِمَا) أَنْ أُنَظِّمَ.

فِي عِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالمَعَانِي ... أَرْجُوزَةً لَطِيفَةَ المَعَانِي


(١) سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>