هذه الأنواع الأربعة هي مواضع وجوب الفصل بين الجمل.
الأول: كمال الاتصال. فيجب الفصل بين الجملتين إذا كان بينهما كمال الاتصال. والمراد بكمال الاتصال أن تكون الثانية مؤكدة للأولى، أو بدلاً منها، أو عطف بيان. إما تكون الثانية تأكيدًا للأولى، أو تكون بدلاً منها، أو تكون عطف بيان. حينئذٍ نقول: يجب الفصل في هذه المواضع الثلاثة، أن تُنَزّل الجملة الثانية من الأولى منزلة التوكيد المعنوي في إفادة التقرير مع اختلاف المعنى وهذا التوكيد المعنوي، أو اللفظي في إفادة التقرير مع اتحاد المعنى. يعني: قد تنزل الجملة الثانية من الأولى مُنَزَّلة التوكيد المعنوي كـ جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، وقد تنزل الثانية من الأولى منزلة التوكيد اللفظي كـ جَاءَ زَيْدٌ زَيدٌ، هذان اعتباران من اعتبارات المذكورة هنا.
مثال الأول التوكيد المعنوي قوله تعالى:{لاَ رَيْبَ فِيهِ}. بالنسبة إلى قوله:{ذَلِكَ الْكِتَابُ}. {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ}[البقرة: ٢] كم جملة؟ جملتان {ذَلِكَ الْكِتَابُ} مبتدأ وخبر، {لاَ رَيْبَ فِيهِ} جملة اسمية هذه نافية للجنس {لاَ رَيْبَ فِيهِ} إذًا جملة اسمية وجملة اسمية، نُزِّلَتِ الثانية من الأولى منزلة التوكيد المعنوي، وفُصِلَ بينهما يعني: لم يعطف ذلك الكتاب ولا ريب فيه، ذلك الأمر ولا شك فيه كما يقول الناس. نقول: لا، إنما فصل بين هاتين الجملتين لأن الثانية بمنزلة التوكيد، وهل يقال: جَاءَ زَيْدٌ وَنَفْسُهُ؟ أو جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ؟ جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، كما أنه لا يفصل بين جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، نَفْسُه المؤكد المعنوي مع المؤكد زيد كذلك هنا نزلت مُنَزّلة التوكيد المعنوي [فلا فصل](١)، بل يجب الفصل هنا وليس بـ فلا وصل بل يجب الفصل هنا. إذًا {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} فإنه لما بولغ هنا الوجه لماذا؟ لما بولغ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصوى في الكمال {ذَلِكَ الْكِتَابُ} تدل على أن الكتاب بلغ الدرجة القصوى في الكمال من جهتين: