للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا شك أن المراد به الثاني، لِمَا مَرَّ معنا مرارًا أن من حفظ قواعد النحو ولم يطبق النحو حينئذٍ لا يسمى نحويًا، ومن عَلِمَ قواعد علم المعاني ولم يطبقه حينئذٍ لا يسمى بلاغيًا، وكذلك علم البيان، فالشأن حينئذٍ في الرعاية لأن الملكة لا تستفاد إلا بذلك، كيف نقول: هو مَلَكَة يعني: هيئةٌ راسخة، ثم هو مجرد قواعد تحفظ ولا تطبق؟ وهذا لا يسمى علم البيان، لا بد أن يكون علم البيان علم رعاية حينئذٍ يصح أن يقال: بأنه بياني. إذًا (بِهِ) يعني برعايته والباء هنا سببية، يعني بسبب رعايته، (يُعَرَّفُ) الأصل يُعْرَفُ بالتشديد للنظم يعني: فعل مضارع مُغَير الصيغة وبتقديم الجار والمجرور هنا (بِهِ يُعَرَّفُ) يحتمل أنه للوزن ضرورة، ويحتمل أن فيه إيماءً إلا أنه لا يُعْلَمُ غالبًا إلا بعلم البيان، يعني ما سيأتي. وقلنا: غالبًا لإخراج العرب العربان إذ هو مركوز في طبائعهم، يعني علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع هذه العرب العربان فصيح، يعني قبل تدوين أو تأصيل هذا العلم كان العلم موجودًا في ركائزهم، كعلم الأصول وعلم النحو والصرف، حينئذٍ الشأن واحد والكلام واحد، فإدراك القواعد لا يلزم منه أن من كان قبل القواعد أن لا يكون بيانيًا، أليس كذلك؟ لأن العلم هذا علم صناعة صار علمًا حادثًا، وكما هو الشأن في علم النحو وعلم الأصول، العرب القح قبل وضع النحو لا يَعْرِف أن هذا تمييزًا وأن هذا حالاً وهذا مضاف وهذا مضاف إليه، وإنما يأتي به على السليقة يأتي به على وجهه على القواعد، لكن هذا الاصطلاحات اصطلاحات عرفية لا يُدْرِكُهَا ولا يعرفها، لو قيل له: هذا تمييزًا، هذا فعلٌ ماضٍ، فعل مضارع لما أدرك ذلك، كذلك الشأن في البلاغة بأنواعها الثلاثة المعاني والبيان والبديع، فالسليقي الذي يأتي به على سليقته ولا يعرف هذه الاصطلاحات لا يخرج عن كونه عالمًا بفن البلاغة. ولذلك نقول: غالبًا لإخراج العرب العربان إذ هو مركوزٌ في طبائعهم من غير أن يعلموا البيان ويمكن أن يكون قدمه للوزن (يُعَرَّفُ) ما الذي يعرف؟ قال:

................. ... إيرَادُ مَا طُرُقُه تَخْتَلفُ

فِي كَوْنِهَا وَاضِحَةَ الدِّلالَةْ ... ........................

(إيرَادُ) هذا نائب فاعل (يُعَرَّفُ)، (يُعَرَّفُ) ما الذي (يُعَرَّفُ)؟ (إيرَادُ مَا) أي معنًى (مَا) هو اسم موصول بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة يحتمل هذا ويحتمل ذاك، (إيرَادُ مَا) أي معنًى واحدٍ من المعاني التي يدل عليها الكلام المراعى فيه مطابقته لمقتضى الحال، يعني يأتي بالكلام الذي اشتمل على علم المعاني، لأن علم المعاني كما مر معنا أنه مطابقة المقام لمقتضى الحال، مقتضى، نعم مطابقته لمقتضى الحال من حيث التأكيد وعدمه، ومن حيث الحذف، المسند والمسند إليه .. إلى آخره فيأتي به على وجهه، ثم هو معنًى واحدٌ من المعاني.

إذًا (إيرَادُ مَا) يعني إيرادك هنا بإضافة المصدر إلى المفعول، والذي أورده هو المتكلم (إيرَادُ مَا) إيرادك ما، أي معنًى واحدٍ من المعاني التي يدل عليها الكلام المراعى. إذًا المعنى هنا ليس مدلول مفرد، وإنما هو مدلول مركب هذا أولاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>