للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (عَقْلِيَّانِ) أي منسوب كلاهما إلى العقل وهو ما عدا ذلك، أي ما لا يكون هو ولا مادته مدركًا بإحدى الحواس الخمس، لا يدرك هو ولا مادته يعني المفردات التي تَأَلَّفَ منها المركب لا يدرك بإحدى الحواس الخمسة الظاهرة، وإنما يدرك بالعقل يعني الذي يفهمه العقل. قالوا: كما في تشبيه العلم بالحياة، العلم ليس محسوسًا يعني لا يدرك بالحس لا بالبصر ولا بالشم ولا يذاق، والحياة كذلك لا تشم ولا تدرك بالبصر إذا انتفى عن الطرفين إدراك الحواس الخمس، ووجه الشبه لهما كونهما جهتي إدراك. إذا العقلي هو ما لا يدرك هو ولا مادته بالحسِّ كالعلم والحياة. (وَمِنْهُ بِالْوَهْمِ) يعني (مِنْهُ) يعني من العقلي الوهمي، وهو ما يدرك بالْوَهَمِ الذي لا يكون للحسِّ مدخل فيه مع أنه لو أُدْرِك لم يُدرك إلا بها، يعني لا يُدرك بإحدى الحواس الخمسة المذكورة السابقة، مع أنه لو أدرك لم يُدرك إلا بإحدى الحواس الخمس بخلاف الخيال السابقة، السابق إذا للحسّ فيه مدخل فإنه منتزع منه، هنا المفردات عقلية، والهيئة عقلية، لو وجد في الخارج لأُدرك بالحس بخلاف الخيالي، الخيَال الهيئة المجتمعة لا تُدرك بالعقل، ولو أُدركت بالخارج لأدركت بالحس حينئذٍ لما تألفت وتكونت من المحسوسات تعلقت بالحسّ ولذلك دخلت هنا. هنا الوهمي الذي لا يكون الحسِّ مدخل فيه مع أنه لو أدرك لم يدرك إلى بها، وبهذا القيد يتميز عن العقلي كما في تشبيه قول أبي تمام:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زُرقٌ كأنياب أغوالِ

غول ولها أنياب، أين الغول؟ لا وجود لها، أين أنياب الغوال؟ لا وجود لها، حينئذ هي موجودة في العقل لكن الغول لو وُجِدَ في الخارج لأُدْركت بماذا؟ بالحسِّ لأنها منسوبة إلى نوع من أنواع الحيوان، وأنيابها من باب أولى أن تُدْرَك بالحسِّ. إذًا أنياب أغوال، يعني أظفار أغوال، هي الغول لم توجد في الخارج حينئذ أنيابها من باب أولى، فلو أدرك هذا الشيء إنما يُدرك بالحسِّ. إذًا هذا يُسمى ماذا؟

يُسمى وهمي لأن متوهم لا وجود له في الخارج، لو وُجِدَ على سبيل الافتراض لكان إدراكه يكون بالبصر، فأنياب الأغوال مما لا يُدركه الحسّ، لماذا؟ لعدم وجودها، لكنها لو أُدْرِكَت لَمْ تُدرك إلى بحس البصر، هذا الوهمي، وكذا من العقلي ما يُدرك بالوجدان يعني الحسّ الباطن الذي يُسمى بالوجدانيات، أي يُدرك بالقوى الباطنة وتسمى وجدانيات، لكون الإنسان يُدركها بقواه الباطنة، ويجدها من نفس اللذة والألم والجوع والشبع والهم والفرح وما شاكل ذلك، فليس إدراك شيء من هذه المعاني يكون بالحواس الظاهرة، أليس كذلك؟ وليست من العقليات الصرفة، بل من الوجدانيات التي تُدرك بالقوى الباطنة، فيَعلم من نفسه أنه على جوع لكنه لا بدلالة العقل ولا بدلالة البصر ولا بدلالة السمع ولا بالشم ولا بغيره، وإنما يُسمى بالحس الباطن. إذا من العقلي بالوجدان أي ما يدرك بالقوة الباطنة كاللذة وما عطف عليها، وهذان داخلان تحت قوله: (عَقْلِيَّانِ). إذا الوهمي والوجداني هما من أقسام العقلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>