للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هي التي ستدرس في الأبواب الثمانية، تعرض على اللفظ، إما مفردًا، وإما جملةً، كالقصر والحصر، فحينئذٍ إذا كان مفردًا فقد يعتريه من الأحوال أن يُحذف، فالحذف وصفٌ له، حالٌ له، أمرٌ عارضٌ له، كذلك كونه نكرةً أو معرفةً، نقول: الوصف بالنكرة أمرٌ عارضٌ للفظ، ووصله بالتعريف أمرٌ عارضٌ للفظ، إذًا (ذُو أَحْوَالِ) أي: أمورٍ عارضة تَعْرِضُ للفظ من تقديمٍ وتأخيرٍ وتعريفٍ وتنكيرٍ وحذفٍ وذكرٍ مما سيأتي ذكره في هذا الفن.

(يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ) (يَأْتِي) أي: ذلك اللفظ العربي (بِهَا) هذا جارٌ مجرور متعلق بقوله: (مُطَابِقًا). (يَأْتِي) حال كونه أي: اللفظ العربي (مُطَابِقًا) بتلك الأحوال للحالين، (بِهَا) أي: بتلك الأحوال متعلقٌ بقوله: (مُطَابِقًا). حال كونه (مُطَابِقًا لِلْحَالِ)، حالٌ من فاعل يأتي، أي: لمقتضى الحال، إن اقتضى الحال الحذف حُذِفَ، إن اقتضى الحال - وعرفنا الحال الأمر الداعي للتكلم على وجهٍ مخصوص - إن اقتضى الحال أن يكون اللفظ العربي مضمرًا أُضْمِرَ، إن كان اسم إشارة فحينئذٍ فذلك، وإذا كان موصولاً فهو كذلك، إذًا هذه الأحوال العارضة تكون مطابقةً للحال، واحترز به عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة يعني: قوله (يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ). يعني: مقتضى الحال، وهذا بيانٌ لأحوال اللفظ، واحترز به عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة، فخرجت سائر العلوم لأن غير علم المعاني من العلوم لا يُبْحَث فيها عن أحوال اللفظ، النحو لا يبحث فيه عن هذا الموضع، وكذلك الصرف، وكذلك العروض مثلاً، أو متن اللغة، كلها لا يبحث فيها عن أحوال اللفظ من حيث الحذف والذكر، ومن حيث التقديم والتأخير.

من حيث إن اللفظ يطابق مقتضى الحال بل من حيثية غيرها، فخرج الصرف والنحو والبيان - علم البيان - والبديع والعروض.

(عِرْفانُهَا) أي: معرفة تلك الأحوال (عِرْفانُهَا) الضمير يعود إلى تلك الأحوال، والعرفان هنا مصدر كذلك مثل المعرفة، أو اسم مصدر عَرَفَهُ يَعْرِفَهُ مَعْرِفَةً وعِرْفَانًا بالكسر (عِرْفانُهَا) أي: معرفة تلك الأحوال أي: إدراك كل فردٍ فردٍ من جزئياتها (عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي)، يعني: معرفة كل موضعٍ من هذه المواضع التي يُعنون لها بالأمور العارضة لللفظ، يعني: متى يُحْذَف المسند إليه؟ له أحوال، متى يذكر المسند إليه؟ له أحوال، متى يقدم؟ متى يؤخر؟ معرفة هذه الأحوال جزئياتها الوقوف عليها فردًا فَردًا يُسَمَّى علم المعاني، ولذلك قال: (عِرْفانُهَا). أي: معرفة تلك الأحوال أي: إدراك كل فردٍ فَردٍ من جزئيات الأحوال المذكورة بمعنى أي فردٍ يوجد منها أمكننا أن نعرفه بذلك العلم المشار إليه بقوله: (عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي) (عِلْمٌ) أي: مَلَكَة يقتدر بها على إدراك جزئياتٍ لا أنها تحصل جملة واحدة، وإنما تحصل تباعًا (هُوَ المَعَانِي).

إذًا علم المعاني ما هو؟

علمٌ يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يُطابِق مقتضى الحال.

إذًا عندنا مطابقة مقتضى حال وعندنا لفظٌ عربي وله أحوال، معرفة هذه الأحوال وكونها مطابقةٌ لمقتضى الحال هو علم المعاني، وإذا عرفت أبوابه على جهة التفصيل يتضح لك المراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>