هذا هو الأصل في الكلام. يعني: لا يخرج عن هذين الأمرين، وقد يراد الخبر لغير هذين الأمرين يعني: قد يأتي الخبر ولا يراد به فائدة الخبر ولا لازمها ويراد به شيء آخر، فالحصر حينئذٍ حصر أغلبي، قد يراد بهذا التركيب غير إفادة المخاطَب العلم بمدلول اللفظ أو بلازم الفائدة، فيرجع حينئذٍ إلى قاعدة كما نص على ذلك الخطيب القزويني في ((الإيضاح)) وهي: أن العالم قد يُنَزَّلُ منزلة الجاهل، متى؟ لعدم جريانه على موجوب العلم بالعمل به، الأصل في العلم أنه يقتضي العمل، ولا يكون العلم محمودًا إلا إذا قارنه العمل، فإن انتفى العمل ووجد العمل، فالجاهل والعامل سواء في مرتبة واحدة، من يَعْلَمُ ولا يَعْمَلُ هو والجاهل سواء طبعًا ليس في الحكم الشرعي لأن العالم يعاقب، والجاهل قد يُعْذَر وقد لا يُعْذَر، المراد هنا في الخطاب، فحينئذٍ يستوي الجاهل والعالم، فيلقى إليه الخبر كما يلقى إلى الجاهل وإن كان عالمًا به فنسوي بينهما في الخبر، كقولك لمن يعق أباه وهو يعلم أنك تعلم أنه أبوه: زَيْدٌ أَبُوكَ. تقول للابن: زَيْدٌ أَبُوكَ. هو يعلم أو لا يعلم أنه أبوه؟ يعلم، هل هناك فائدة أو ما يسمى بفائدة الخبر؟ الجواب: لا، إلا إذا كان الابن ضائعًا وقال: هَذَا أَبُوكَ. حينئذٍ جاءت فائدة الخبر ... (لاَزِمَهَا) إذا لم يكن المخاطَب يعلم أني أعلم أنه أبوك سار لازم الفائدة ونقيد هذا المثال بماذا؟ إذا كان المخاطَب يعلم أني أعلم أنه أبوه، تقول في: زَيْدٌ أَبُوكَ فَأَحْسِن إِلَيْه. هنا انتفى عندنا الأمران، ليس عندنا فائدة الخبر، ولا لازم فائدة الخبر، لماذا خوطب بهذا بِهذا التعبير؟ زَيْدٌ أَبُوكَ؟ لأنه لعدم إحسانه إلى أبيه انتفى العمل بالعلم، لأنه بعلمه أنه أبوه يقتضي البر، فلما انتفى البر الذي هو العمل حينئذٍ نُزِّلَ العالم والجاهل في مرتبة واحدة، زَيْدٌ أَبُوكَ فَأَحْسِن إِلَيْه فيعامل معاملة الجاهل لأبوته لعدم عمله بمقتضى علمه، فمن لم يعمل بما عَلِمَ هو والجاهل سواء فيخاطب العالم بخطاب الجاهل، وقد ينتفي عنه الفائدان لأمر آخر ليس بما سبق، ككلام العباد مع ربهم هذا، لا، ليس فيه فائدة الخبر ولا لازم الفائدة، قطعًا هذا أليس كذلك؟ ولذلك قوله تعالى:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}. لما يخاطب الله عز وجل {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} ليس فيه فائدة الخبر وليس فيه لازم الفائدة، إنما من باب إظهار الفقر والتذلل، له فائدة أخرى ليست هي المذكورة {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى}[آل عمران: ٣٦] الله يعلم أنها وضعتها أنثى {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}[آل عمران: ٣٦] والله يعلم ذلك {إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص: ٢٤] نقول: خطاب العباد مع الله تعالى ليس فيه إفادة المخاطب بمدلول الخبر، وليس فيه لازم الفائدة، وإنما له نكتة تختص به في موضعه.