للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثالث: التقديم والتأخير. متى يقدّم ومتى يؤخر؟ كما هو معلوم من شأن المسند إليه إذا كان مبتدأً أنه قد يتقدم له أحوال واعتبارات، ومتى يتأخر؟ والأصل فيه التقديم، وأما المسند إليه إذا كان فاعلاً فالأصل أنه لا يتقدم على مذهب البصريين - وهو الصحيح - وإنما يتقدم على مذهب الكوفيين، إذًا الحذف والذكر، والتعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، هذه ست كلها متقابلة. وما يتعلق بتوابع المسند إليه كذلك يُذْكَرُ في هذا الباب، أو ما يتعلق به يعني بذاته كما إذا كان وصفًا يتعلق باسم المرفوع أو يتعلق به جار ومجرور، أو ظرف أو نحو ذلك.

إذًا هذا ما يتعلق بقوله: (أَحْوَالُ المُسْنَدِ إِلَيْهِ). يعني الأمور العارضة، والمراد بالأمور العارضة هذه الستة التي مذكورة من حيث ذاتها، وأما من حيث التوابع فوصله كونه يُنْعَت، كونه يُبْدَل مِنْهُ، كونه يعطف عليه فيما سيأتي في موضعه، وفيه بحسب ذلك أبحاث: الأول في حذفه أرتب النظم لكم لأجل الاستفادة منه الأول.

البحث الأول: في حذفه وحذف المسند إيه إذا كان مبتدأ أو فاعلاً في بعض المواضع لأحد أمور بمعني أن الاعتبار المناسب يكون حذفه عند وجود واحد من هذه الأمور، يعني يحذف، هل حذفه يكون عشوائيًّا؟ أم يكون لنكتة وفائدة لغوية؟

لا شك أنه الثاني بمعنى أنه لا يحذف المسند إليه إلا إذا كان هناك فائدة، ما هي هذه الفائدة؟ هي التي يتكلم عنها أهل المعاني هنا، ما هي هذه الفائدة من حذف المسند إليه؟ يتكلم النحاة بأن المسند إليه إذا كان معلومًا يجوز حذفه

وحذف ما يعلم جائز كما تقول: زيد .. إلى آخره

أما لماذا يحذف؟

الجواب: يكون هنا عند أهل البيان. إذًا حذفه لأحد أمورٍ، بمعنى أن الاعتبار المناسب للمقام يكون حذفه عند وجود واحد من هذه الأمور، فإن حذف لا لواحد منها كان حذفًا على غير الوجه المناسب، يعني لا يكون بليغًا لم يطابق مقتضى الحال، لأنه حذف في غير موضع الحذف الذي يكون بليغًا عند أهل البيان، ثم الحذف حذف المسند إليه يفتقر إلى أمرين، يعني لا بدمن أمرين، ليس كل مسند إليه يجوز حذفه لا بد من اعتبارين:

الأول: العلم بالمحذوف. العلم بالمحذوف لأن القاعدة العامة في باب النحو أن ما لا يعلم لا يجوز حذفه، وما يعلم يجوز حذفه، وحذف ما يعلم جائز، هذا قاعدة عامة ذكرها ابن مالك رحمه الله تعالى في باب المبتدأ لكنها عامة في المبتدأ وغيره وحذف ما يعلم جائز. إذًا الأمر الأول الذي يفتقر إليه الحذف العلم بالمحذوف بأن يكون السامع عارفًا بالمسند إليه المحذوف لوجود القرائن، لا يُحذف إلا إذا كان ثَمَّ قرينة كجواب السؤال مثلاً أين زيد؟ في الدار، في الدار يجيب هكذا، في الدار جار ومجرور إيش إعرابه؟ خبر، متعلق بمحذوف خبر، خبر لأي شيء لمبتدأ، أين المبتدأ؟ محذوف، لماذا حُذف؟ للعلم به. هل هناك قرينة؟ نعم، كونه واقع في جواب السؤال.

وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما

من عندك؟ زيد، أو عندي زيد ونحو ذلك، وهذا مقرر في النحو، يعني باب المبتدأ.

والثاني: الداعي الموجب لرجحان الحذف على الذِّكر. وهذا الذي يبحثه البيانيّون في هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>