للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم ذكر اسم الإشارة بقوله: (وَبِإِشَارةٍ) يعني: اسم إشارة، بحذف المضاف اسم إشارةٍ أي: باسم إشارةٍ جُعل مسندًا إليه أي: وأما تعريف المسند إليه بإرادة اسم إشارة (لِذِي فَهًمٍ بَطِي) يعني: اسم الإشارة في الأصل أنه موضوعٌ لأي شيء، اسم الإشارة في أصل وضعه في لسان العرب موضوعٌ للمحسوسات، المحسوسات لا بد أن يكون لشيءٍ محسوس أليس كذلك؟ وما سبق معنا أن حدّ الإشارة ما وضع لمسمًى أو معين وإشارةٍ إليه، لو قلت: هذا زيدٌ، هذا من المعارف أليس كذلك؟ من المعارف لو لم أشر بيدي وأردت أن أعرف واحدًا منكم: هذا زيدٌ. أنا أريد أن أخبرك أنت: هذا زيدٌ. دون أن أشير تعرفه؟ ما تعرفه. لكن لو قلت: هذا زيدٌ عرفته أم لا؟ بماذا عرفته بلفظ هذا فقط؟ لا، مع الإشارة، هذا زائدًا الإشارة، أما لفظ هذا لوحده لا يكفي ولا يكون معرفةً، لو جلست من العشاء إلى الصلاة تقول: هذا زيدٌ، هذا زيدٌ، ما عرفه الحاضرون لماذا؟

لانتفاء الإشارة، الذي يكون فهمه بطيئًا لا يُدرك إلا المحسوس، يعني: المعقول هذا لا مجال له فيه، فإذا خوطب حينئذٍ أريد الإشارة إلى كونه بليد الذهن فيؤتى له باسم الإشارة بناءً على أنه لا يفهم [ها ها] المعقولات.

(لِذِي) أي لسامعٍ صاحب فهمٍ بطيء لبلادته وغباوته، فحينئذٍ يكون مُسْتَبْلَدَ الذهن حتى أنه لا يتميز له الشيء إلا بالإشارة ولا يدرك غير المحسوس، كقول الفرزدق يخاطب جريرًا:

أولئك آبائي فجئني بمثلهمُ ... إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ

أولئك قالوا: أراد به الإشارة إلى غباوة جرير، كلهم يذم بعضهم بعضًا جرير وفرزدق.

أولئك آبائي: مبتدأ وخبر، فجئني بمثلهمُ إذا جمعتنا يا جرير مجامعُ،

إذًا إذا كان المخاطب السامع ذا فهمٍ بطيء يعني إشارة إلى كونه لا يفهم إلا بالمحسوسات فحينئذٍ يؤتى بالمبتدأ اسم إشارة.

أو (فِي الْقُرْبِ) أي: للدلالة على القرب، معلومٌ أن اسم الإشارة قد يكون للقريب أو البعيد أو التوسط كما ذكره الناظم هنا، فحينئذٍ تأتي باسم الإشارة للدلالة على قرب المسند إليه، أو للدلالة على بعده، أو للدلالة على توسطه، أو (فِي الْقُرْبِ) أي: أن يكون المسند إليه اسم إشارة لأجل بيان حاله من قربٍ من المتكلمين، كقولي: هذا زيد إذًا هو قريبٌ مني، أو البعد كذلك أو ذلك زيد، {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: ٢]. بعيد لرفعة شأنه والبعد هنا معنوي، أو التوسط وهو مذهب كثيرٍ من النحاة لأن للإشارة ثلاثة مراتب:

قربى ولها المجرد.

ووسطى ولها ذو الكاف ذاك.

وبعدى ولها ذو الكاف واللام.

ذا هذا القريب، ذاك للمتوسط، ذلك هذا للبعيد، وصححه ابن الحاجب، وعند سيبويه وتبعه ابن مالك أنه ليس للإشارة إلا مرتبتان، ثم ذكر المحلى بأل.

نكمل بعد الصلاة إن شاء الله يا إخوان، والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>