للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه: فهم معانيه دون مجرد ألفاظه .. فالقرآن أولى بذلك، ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلاً جدًا (١).

ويقول الإمام الزركشي: وقد جاء عن ابن عمر أنهم كانوا يتعلمون ما ينبغي أن يوقف عنده، كما يتعلمون القرآن (٢). فتعلم الوقف والابتداء أحد ثمرات تعلم المعاني.

من هنا نقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على تعليم أصحابه القرآن .. لفظًا ومعنى.

يقول عبد الله بن عمر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن، فإذا مر بسجود سجد وسجدنا معه» (٣).

(ولاشتهار هذا الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار أصلاً يقاس عليه غيره، ومن هذا القبيل قول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن» (٤).

فإذا طرأ ما يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مباشرة ذلك بنفسه وكَّل بعض أصحابه للقيام بهذه المهمة.

ومن هذا ما ورد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشغل، فإذا قدم مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن» (٥).

وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، فأمرهما أن يعلما الناس القرآن» (٦).

[لا بديل عن التفهم والتدبر]

ومع هذا الترغيب في تعلم القرآن إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان دائم التحذير لصحابته - ولأمته من بعده - من أن يتحول القرآن من وسيلة عظيمة لإحياء القلب وبث الروح فيه إلى قراءة حنجرية فقط طلبًا للأجر والثواب دون الانتفاع الحقيقي به، فعندما سأله عبد الله بن عمرو بن العاص عن ختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام قال له: «لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث» (٧).

ومع حثه صلى الله عليه وسلم لصحابته على كثرة تلاوة القرآن إلا أنه كان يربط ذلك بالقراءة الهادئة المرتلة المتفهمة للخطاب، والتى من خلالها يتعرض القلب لأنوار القرآن، ومنابع الإيمان فيه فيحدث الوصال، وتدب الروح في القلب شيئًا فشيئًا حتى يحيا حياة كاملة.

تأمل قوله صلى الله عليه وسلم لصحابته: «من قرأ القرآن في سبع ليالٍ كتب من المخبتين».

قلنا: فمن قرأه في خمس يا رسول الله؟

قال: «إني أخاف أن يُعجلكم عن التفهم، إلا أن تصبروا على مباكرة الليل، فمن فعل كُتب من المقربين».

قلنا: ففي ثلاث يا رسول الله؟

قال: «لا أراكم تطيقون ذلك، إلا أن يبدأ أحدكم بالسورة وأكبر همه أن يبلغ آخرها».

قلنا: فإن أطقناه على تَفَهُّم وترتيل؟!

قال: «فذلك الجهد من عبادة النبيين».

قلنا: ففي أقل من ثلاث يا رسول الله؟

قال: «لا تقرأوه في أقل من ثلاث».

وفي رواية: قالوا: يا رسول الله! وفي أقل من ثلاث.

قال: «لا، ومن وجد منكم نشاطًا فليجعله في حسن تلاوتها» (٨).


(١) مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص ٧٤ - ٧٥ باختصار.
(٢) البرهان في علوم القرآن للزركشي/٢٣٧.
(٣) أخرجه الإمام أحمد واللفظ له (٢/ ١٥٧)، ومسلم بنحوه (٢٥٧٥).
(٤) رواه البخاري (١١٦٢).
(٥) أخرجه الإمام أحمد ٥/ ٣٢٤.
(٦) أخرجه الإمام أحمد ٤/ ٣٩٧ .. انظر فضائل سور القرآن د. إبراهيم عيسى/٢٥.
(٧) السلسلة الصحيحة (١٥١٣).
(٨) أورده الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والسيوطي في الجامع الكبير، والقرطبي في التذكار.

<<  <   >  >>