للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن عبيد بن عمير قال: صلى بنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى إذا بلغ {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: ٨٤] بكى حتى انقطع فركع (١).

وهذا عبد الله بن مسعود يقول: إذا وقعت في (سور) آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن (٢).

ومعنى أتأنق فيهن: أي أعُجب بهن وأستلذ بقراءتهن، وأتتبع محاسنهن (٣).

وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين، فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من التسبيح والنحيب (٤).

[الأثر المباشر للقرآن في سلوك الصحابة]

إذا أردت - أخي - أن تعرف قدر تأثير القرآن على قلوب الصحابة، وكيف أن معانيه قد استحوذت على مشاعرهم، وأصبحت تواجههم وتوجههم حيثما اتجهوا فانظر إلى آثار ذلك من الناحية العملية لترى كيف كان ذلك الأثر سريعا في إذعانهم للحق، ومبادرتهم لفعل الخير، وعدم التلكؤ أو التباطؤ تحت أي دعوى.

[ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟!]

فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره، فلما قال مسطح ما قال في السيدة عائشة في حادثة الإفك، قال أبو بكر: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال في عائشة، ما قال. فأنزل الله: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: ٢٢].

قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي.

فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها أبدًا (٥).

[أعرض عن الجاهلين]

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتيه الحُر بن قيس وعمه عيينة بن حصن فيقول عيينة للخليفة عمر: هيَّ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل. فغضب عمر حتى همَّ به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، وإن هذا من الجاهلين.

يقول ابن عباس: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله (٦).

[أقرضت ربي حائطي]

لما نزل قول الله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: ٢٤٥].

قال أبو الدحداح: يا رسول الله!، وإن الله يريد منا القرض؟ قال: «نعم يا أبا الدحداح» قال: أرني يدك يا رسول الله! فناوله يده. قال: إني قد أقرضت ربي حائطي (بستان) فيه ستمائة نخلة.

وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح. قالت لبيك. قال: أخرجي فقد أقرضته ربي - عز وجل - قالت: ربح بيعك يا أبا الدحداح! ونقلت منه متاعها وصبيانها (٧).


(١) فضائل القرآن لأبي عبيد ص ١٣٧.
(٢) المصدر السابق ص ٢٥٥.
(٣) آيات الخشوع لعبد الله المغربي/ ٢٣٢.
(٤) صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم القرآن ص ٣١٨، نقلاً عن الإصابة.
(٥) رواه البخاري (٤٧٥٠).
(٦) رواه البخاري (٤٦٤٢).
(٧) رواه الإمام أحمد في المسند (٣/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>