للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (ألا أنبئكم ما العضه)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس) رواه مسلم].

العضه: من البهت والكذب، ومنه {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر:٩١]، يعني: جعلوه -كذباً منهم وزوراً- سحراً أو شعراً أو كهانةً أو حسب ما قالوا، أو أنهم جعلوه أجزاءً مجزأة، أو ما أشبه ذلك.

فالعضه في اللغة يقصد به: الكذب والبهت، والعضه هنا في هذا الحديث المقصود به: النميمة، والنميمة: هي نقل حديث الغير على وجه الإفساد، كأن يأتي إلى إنسان ويقول: سمعت فلاناً يقول فيك: كذا وكذا، يريد الإغراء بينه وبين الآخر، وأن يفسد العلاقة التي بينهما، وليس على وجه النصح، أما إذا كانت نصيحة فلا تدخل في هذا، وأما إذا كان مجرد نقل كلام، وأن فلان يقول كذا وقال كذا فهذه تسمى: نميمة، من نمى الكلام ينمه وينميه، ولا تسمى: نميمة إلا إذا أراد بها الإفساد، أما إذا كانت مجردة عن إرادة الإفساد وليس فيها مصلحة فتسمى: غيبة، والغيبة: هي ذكر الغائب بما يكره عند الغير، فإن كان فيه ما يقول فهي غيبة، وإن كان كاذباً ليس فيه ما يقول فهي كذب وبهت وزور أكبر من أن تكون غيبة.

والقالة بين الناس انتشرت بين الناس مع أنها إثم كبير، وهي من أسباب إحباط العمل، نسأل الله العافية، ومن أسباب عذاب القبر، وأكثر عذاب القبر -نسأل الله العافية- منها ومن عدم التنزه من البول، كما جاء صريحاً في الحديث.

والنميمة شبيهة بالسحر، ولهذا جاء: أن النمام يفسد في الساعة ما لا يفسده الساحر في سنة؛ وذلك لأنه يفرق بين الأحبة ويغري الصدور بفعله، فشبهت بالسحر وألحقت به من هذا القبيل؛ لأن فيها الإفساد والتفريق بين الأحبة، فقد تفرق بين المرء وزوجه، وبين الصديق وصديقه، وبين الأخ وأخيه، وهذا فعل الساحر، فصارت النميمة شبيهةً بالسحر بالفعل، ولكن السحر يفارقها أنه كفر، وأنه تعلم من الشيطان، وهذه ليست كذلك، وهي من المحرمات.

وقد جاء في صحيح مسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، فهي من أكبر الذنوب وأعظمها.

[قال: وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي: النميمة القالة بين الناس) رواه مسلم.

قوله: (ألا هل أنبئكم): أخبركم، والعضه: بفتح المهملة وسكون المعجمة.

قال أبو السعادات: هكذا يروى في كتب الحديث، والذي في كتب الغريب: (ألا أنبئكم ما العِضَه) بكسر العين وفتح الضاد، قال الزمخشري: أصلها العضهة فعلة من العضه وهو: البهت، فحذفت لامه كما حذفت من السنة والشفة، وتجمع على عضين].