للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم النظر في النجوم والتنجيم]

قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتبس شعبةً من النجوم فقد اقتبس شعبةً من السحر زاد ما زاد) رواه أبو داود، وإسناده صحيح].

قوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتبس شعبةً من النجوم اقتبس شعبةً من السحر زاد ما زاد) الاقتباس: هو الأخذ والاكتساب في العلم والنظر، والشعبة: هي الطائفة من الشيء، فيقال: هذا من شعب الإيمان، فالإيمان له شعب، والكفر له شعب.

وشعبة من النجوم، يعني: أن من يقتبس شيئاً يستدل به، كأن يقول: اقتران النجم الفلاني بالنجم الفلاني يدل على كذا، أو اقتران النجم بالقمر يدل على كذا، أو كون النجم الفلاني يكون في المكان الفلاني في وقت كذا يدل على كذا وهكذا يقول المنجمون.

والتنجيم ينقسم إلى أقسام ثلاثة كما سيأتي: قسم يكون سحراً وشركاً بالاتفاق، وهو الاعتقاد بأن النجوم هي التي تدبر الكون وتصرفه، وهي التي تُخاطب وتُعبد وتُدعى ويُسبح لها كما يفعله الكنعانيون الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام، فإنهم كانوا يبنون هياكل على صور الكواكب التي يرونها، ويجعلون بيوتاً لها، ويضعون فيها الصور، ثم يتقربون إليها بالدعاء، ويلبسون لباساً معيناً، ويبخرون عندها، ويتقربون إليها بالقرب، ويزعمون أنهم إذا صنعوا ذلك نزلت روحانياتها، وهذه الروحانيات التي يزعمون أنها روحانيات الكواكب هي الشياطين التي تنزل عليهم، وقد تخاطبهم، وقد تقضي حوائجهم، وتفعل لهم بعض الشيء الذي يريدونه؛ لأنهم فعلوا ما ترضاه الشياطين، فخدموها وعبدوها، فيأتون إليهم ببعض النفع، كما كانت الشياطين تكلم المشركين من داخل الأصنام، فالشيطان كان يخاطبهم ويكلمهم، وقد يجيبهم، وكان الصنم إما شجرة وإما حجراً أو شيئاًَ معمولاً من الطين، وما أشبه ذلك.

القسم الثاني: الاستدلال بالأحوال الفلكية من الاقتران والطلوع على الأمور التي تحدث في الأرض، وهذا أيضاً كفر بالله جل وعلا؛ لأن المصرف للأمور كلها هو الله، وهو مسخر الكواكب الذي خلقها وسيرها ودبرها، وليس للكواكب أي تصرف مع الله جل وعلا، ولا تدل على ما يحدث، وإنما هي كما قال الله جل وعلا: {عَلامَاتٍ} [النحل:١٦] أي: علامات يهتدى بها في البر والبحر، وهي كذلك رجوم للشياطين، وزينة للسماء.

فخلق الله جل وعلا الكواكب لأمور ثلاثة: الأمر الأول: علامات يهتدى بها، والعلامات قد تكون علامات في المسير في البر والبحر، وتكون علامات على أن المتصرف والخالق هو الله جل وعلا؛ لأنها مسخرة ومدبرة.

الأمر الثاني: أنها زينة، كما قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} [الملك:٥].

الأمر الثالث: أنها رجوم للشياطين، كما في هذه الآية: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:٥]، فمن نظر شيئاً للأحوال التي تجري في الكون وعلقها بالكواكب فإنه يكون مشركاً بالله جل وعلا.

القسم الثالث: هو الذي يعرف الآن بعلم الفلك، وهو: النظر إلى أبعاد الكواكب وأجرامها ومسيرها وأفلاكها واختلاف ذلك، وكذلك النظر في وقت طلوعها وأفولها والاستدلال بذلك على الزمن وتغيره، وأنه -مثلاً- في الوقت الفلاني إذا طلع هذا الكوكب يكون قد مضى كذا من الوقت، وإذا غرب يكون قد مضى كذا من الوقت، وكذلك النظر في منازل القمر التي قال الله جل وعلا عنها: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:٣٩]، والنظر كذلك في بروج الشمس التي كل يوم تنزله الشمس، ومنازل القمر معينة، كل ليلة يكون في واحدة منها، وهي ثمانية وعشرون منزلة، يكون دائماً على سطح الأرض يراها الرائي أربعة عشرة، كلما غرب واحد خرج مقابله، وهي التي سيأتي أن العرب كانوا يضيفون إليها نزول المطر، يستسقون بها، وهي الأنواء.

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أربع من أمر الجاهلية في هذه الأمة لا يتركونهن: الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء، والنياحة على الميت).

وأمر الجاهلية مخالف لأمر الإسلام.

والمقصود: أن معنى قوله: (من اقتبس شعبةً من النجوم) يعني: أنه جعل طلوع النجم أو كونه يكون في هذا المكان أو كونه يقترن بالنجم الفلاني أو بالقمر يكون دليلاً على أنه يقع كذا وكذا، هذا من الكفر بالله جل وعلا.

وقوله: (اقتبس شعبةً من السحر) السحر: هو الباطل والكفر الذي يأمر به الشيطان، وليس معنى ذلك أنه يسحر غيره بهذا، ولكنه يكون أمراً خفياً، وقد يظهر شيء من الحوادث التي يخبر بها موافقةً، فيوافق قوله القدر؛ فيكون فيه فتنة وافتتان، وقد يعتقد السامع أنه صادق، فيكون هذا نوعاً من السحر لخفائه ولطافته.

والسحر كله باطل سواءً كان السحر الصناعي العملي الذي يعمل عمله في المسحور، وقد سبق أن هذا يكون بواسطة الشياطين وهو أنواع، ويكون بالنفث الذي ينفثه الشيطان؛ لأن الشيطان الإنسي الساحر يتصل بشيطانه الجني، فيأخذ خيوطاً ثم يعقدها عندما يريد أن ينعقد أمراً من الأمور، ثم ينفث عليها ويخرج شيئاً من ريقه الخبيث -وقد انعقد نفثه مع ريقه الخبيث وتكيف مع نفث الشيطان ومراده- فينعقد أمر بإرادة الله الكونية، ولهذا يقول الله جل وعلا: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:١ - ٤] والنفاثات: السواحر اللاتي تعقد إحداهن العقد وتنفث فيها لينعقد ما تريده من الضر أو ما تريد حصوله.

وقوله: (زاد ما زاد) يعني: كلما زاد اقتباس شيء من النجوم زاد إثماً وسحراً وابتعاداً عن الله جل وعلا.

[رواه أبو داود بإسناد صحيح، وكذا صححه النووي والذهبي، ورواه أحمد وابن ماجة.

قوله: (من اقتبس) قال أبو السعادات: قبست العلم واقتبسته إذا علمته.

اهـ.

قوله: (شعبة) أي: طائفةً من علم النجوم، والشعبة: الطائفة، ومنه الحديث: (الحياء شعبة من الإيمان) أي: جزء منه.

وقوله: (فقد اقتبس شعبةً من السحر) المحرم تعلمه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: فقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن علم النجوم من السحر، وقال تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:٦٩].

قوله: (زاد ما زاد) أي: كلما زاد من تعلم علم النجوم زاد الإثم الحاصل بزيادة الاقتباس من شعبه، فإن ما يعتقده في النجوم من التأثير باطل، كما أن تأثير السحر باطل].