[حرمة نذر المعصية بالاتفاق]
قال الشارح: [قوله: (في الصحيح) أي: في صحيح البخاري.
قوله: (عن عائشة) هي أم المؤمنين، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وابنة الصديق رضي الله عنهما، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة سبع سنين، ودخل بها وهي ابنة تسع، وهي أفقه النساء مطلقاً، وأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا خديجة ففيها خلاف.
ماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح رضي الله عنها.
قوله: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، أي: فليفعل ما نذره من طاعة الله، وقد أجمع العلماء على أن من نذر طاعة لشرط يرجوه، كإن شفى الله مريضي فعلي أن أتصدق بكذا ونحو ذلك، وجب عليه إن حصل على ما علق نذره على حصوله.
وحكي عن أبي حنيفة: أنه لا يلزم الوفاء إلا بما جنسه واجب بأصل الشرع كالصوم، وأما ما ليس كذلك كالاعتكاف فلا يجب عليه الوفاء به.
قوله: (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) زاد الطحاوي: (وليكفر عن يمينه)، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية].
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) الطاعة: هي كل أمر أحبه الله جل وعلا وأمر به، يعني: شرعه على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم، وقد تكون الطاعة غير واجبة على الإنسان.
والنذر: هو إلزام الإنسان نفسه شيئاً غير لازم شرعاً، وسبق أن النذر منهي عنه في الأصل، وأنه لا يغير من قدر الله شيئاً، وإنما قد يستخرج به من البخيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يوقع النذر الإنسان في أمر غير محمود عقباه؛ كأن يلزم نفسه -مثلاً- بنذر لله جل وعلا على حصول شيء يتوقعه، فإذا حصل تراخى وتساهل، ثم لم يوف بذلك؛ فيقع في الإثم؛ لأنه إذا نذر طاعة وجب الوفاء مطلقاً، إلا إذا نذر شيئاً لا يملكه، كأن جعل النذر بأن يعتق أو يتصدق بمال فلان، فهذا مر الحديث أنه لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولكن هذا كما قال العلماء: يلزمه كفارة، والكفارة هي كفارة يمين.
ففي هذا الحديث وجوب الوفاء بالنذر إذا كان طاعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فليطعه) والأمر إذا جاء من الرسول صلى الله عليه وسلم حمل على الوجوب إلا أن يصرفه صارف، ولم يأت في هذا، فإذاً الوفاء بالنذر الذي هو طاعة واجب.
وأما قوله في الشطر الآخر: (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) فهذا يدلنا على أن الإنسان لو نذر نذر معصية أنه يحرم عليه أن يفي بنذره، فلا يجوز له أن يفي بنذره، فهذا مثال للنذر الذي يحرم الوفاء به، وهو مثل أن ينذر أن يشرب خمراً، أو ينذر أن لا يصلي، أو ينذر أن لا يكلم أخاه فلاناً بدون مناسبة، أو ما أشبه ذلك فهذا يسمى نذر معصية.
كذلك إذا نذر أن يذبح للولي الفلاني، أو أن يجعل مالاً في صندوق النذور الذي يوضع عند الضريح، فهذا نذر لا يجوز الوفاء به؛ لأنه نذر معصية.