للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأماكن تكتسب الآثار السيئة بالسيئات]

يستدل بهذه الآية وقصة مسجد الضرار على أن الأماكن تكتسب الآثار السيئة بالمعاصي فتكون مبغضة إلى الله، وتكون محل معصية، ويكون الجلوس والسكون فيها ممنوعاً؛ ولهذا السبب كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا مر بوادي محسر أسرع وأمر بالسرعة؛ لأن وادي محسر -الذي بين مزدلفة ومنى- هو المكان الذي أنزل الله جل وعلا فيه العذاب على أصحاب الفيل.

وكذلك لما ذهب إلى تبوك ومر بديار ثمود نهى أصحابه أن يستقوا من الماء، ومن سبقه وأخذ ماء وعجن به أمر أن يعطى العجين للبهائم وألا يؤكل، وأمرهم أن يأخذوا الماء من بئر الناقة فقط، ونهاهم أن يدخلوا تلك المساكن، وقال: (لا تدخلوا عليهم إلا أن تكونوا باكين، لا يصيبكم ما أصابهم) فهذا يدل على أن الأماكن التي نزل بها غضب تكتسب آثاراً من الغضب؛ ولهذا قال العلماء: لا يجوز سكنى تلك البلاد لهذا الحديث، فإنه يخشى على من سكنها أن يصيبه ما أصاب القوم سواءً من الأمر الظاهر الحسي، أو الأمر المعنوي من قسوة القلوب، والبعد عن الله جل وعلا، واكتساب المآثم والمعاصي حتى يكون مثل أولئك الذين كذبوا الرسل.

وهكذا مسجد الضرار يأخذ هذا الحكم، فيكون النهي مؤبداً؛ ولهذا قال: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}؛ لأنه اكتسب الأثر السيئ من معصية أولئك.

وكذلك محل الطواغيت والأصنام ونحوها، ولا يعترض على هذا بما وقع في قصة اللات، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه أهل الطائف مسلمين اشترطوا فيما اشترطوا عليه أن تبقى لهم اللات سنتين فأبى، ثم قالوا: سنة، فأبى، فقالوا: فتول أنت أمرها، فأرسل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فهدمها، ثم بنى مكانها مسجداً، وهو مسجد ابن عباس المعروف اليوم، فلا يقال: إن هذا يعارض ما سبق؛ لأن هذا لمصلحة اقتضت ذلك، لأنه لو ترك مكانها لأوشك أن تبعث مرة أخرى، فلما جعل مكانها مسجداً نسيت ونسي مكانها، وأصبح لا يعرفه إلا أهل العلم، ومحل اللات هو محل المنارة، وليس قلب المسجد.