من المعلوم أن هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار، وعمل، وليست دار نعيم وبقاء، وجعلها الله جل وعلا مزرعة للآخرة، فمن قدم فيها خيراً وصبر وصابر، وتعلق بربه جل وعلا، ودافع بذلك كل ما يرد عليه من موارد الشيطان وأعوانه، فإن الله جل وعلا يجعل له عوناً من نفسه ومن غير نفسه على ذلك، ثم ما هي إلا فترة بسيطة وينتهي وينسى كل ما مر عليه.
ولا يتصور الإنسان أن هذه الدنيا سالمة من كل أذى لابد أن يحصل الأذى لكل أحد في هذه الدار، سواء كان من المؤمنين أو من الكافرين الفاجرين، ثم في النهاية يموت، ولكن الله جل وعلا وضع في الإنسان عقلاً وفكراً، وجعل له إرادة وقوة، ثم بين له جل وعلا الأمر الذي يلزمه، والأمر الذي يجب أن يمتنع عنه، وجعل لذلك أسبابه وعلاماته، فللصبر أسباب وللجزع أسباب، وللإيمان أسباب وللكفر أسباب، وكلها يقدم عليها الإنسان وهو راضٍ بها وعارف، فيصبح اللوم عليه؛ لأنه يفعل ذلك بإرادته وقوته.
ومعلوم أن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه، وعبادته هي امتثال أمره ونهيه، وكثيراً ما يكون أمر الله جل وعلا ثقيلاً وشاقاً على كثير من نفوس الناس، فإذا جاءه أمر الله استثقله.
ثم هناك مثبطات من شياطين الجن والإنس، أما شياطين الجن: فيتعرضون لك بكل ما يستطيعون حتى لا يفعل أمر الله، وذلك إما بالوسوسة أو بالوعد والوعيد أو بالتمني أو بالتزيين أو بغير ذلك.
أما إن كان من شياطين الإنس: فهو أنكى وأشد وذلك يقع إما بالفعل، وإما بالقول والتهديد، وإما بالسخرية والاستهزاء، أو بغير ذلك كما هو واقع الناس اليوم، فإن كان نظره قصيراً وبصيرته عمياء؛ فإنه لا يستطيع أن يمضي في أمر الله جل وعلا، ولاسيما إذا كان إيمانه ضعيفاً، فلابد من أن يتعثر، فإما أن ينتكس نهائياً ويصبح مع عدوه، أو يصبح موافقاً له في الظاهر، ونفسه تطالبه أن يفعل أمر الله جل وعلا ويجتنب نهيه.
وهذا قد ينجو وقد يعاقب قد ينجو في النهاية إذا من الله عليه بالتوبة والرجوع إليه، وقد يهلك مع الهالكين إذا لم تتداركه عناية الله؛ فإن المؤمن لابد أن يتميز بطاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله.
فهذه من الأمور التي لا ينفك عنها الناس، بل قد يبتلى حتى من أهله وأولاده وأقاربه فضلاً عن البعيدين، بل قد يصاب في نفسه: إما بمرض أو بفقر، أو بمصائب تكون في ماله أو أهله أو ولده أو غير ذلك، لابد من البلوى فينظر الله هل يصبر، أو ينتكس ولا يصبر؟ وكثيراً ما نسمع من بعض الذين أصيبوا بمرض أو بغير ذلك تضجرهم وتوجعهم، ولو أمكنهم لصرحوا بالشكوى من الله أنه ظلمهم، ولهذا تجد أحدهم يقول: أنا لا أدري ماذا صنعت؟ أنا أصلي، وهذه المصيبة لا أدري من أين جاءتني؟ فكأنه يقول: إني أصبت بشيء لا أستحقه.
وهذه من البلوى التي يصاب بها كثير من الناس، لينظر الله هل يصبر؟ هل يعلم أن كل ما أصابه فبذنب اقترفه؟! وأن الله لطيف رحيم بر جواد؟ وأنه إذا صبر عبده على ما أصابه به -سواء كان في نفسه أو من الناس- أنه يعينه على ذلك ويثيبه؟ فإنه جل وعلا يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب.