[دلالة الحديث على عظمة الله جل جلاله]
قال رحمه الله تعالى: [وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك فوقفه.
هذا آخر كلامه.
قال الشارح رحمه الله: [فيه التصريح بأن الله فوق عرشه، كما تقدم في الآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة وفي كلام السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
وهذا الحديث له شواهد في الصحيحين وغيرهما، ولا عبرة بقول من ضعفه لكثرة شواهده التي يستحيل دفعها وصرفها عن ظواهرها، وهذا الحديث كأمثاله يدل على عظمة الله وكماله وعظم مخلوقاته، وأنه المتصف بصفات الكمال التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى كمال قدرته، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له دون كل ما سواه، وبالله التوفيق].
هذا لا يعرفه الذين يعبدون غير الله، أو يعبدون معه غيره، فلا يعرفون هذا القدر ولا التعظيم، حيث يتعلقون بالمخلوقين ويدعونهم، ويتشفعون بهم، ويجعلونهم مسالك بينهم وبين الله جل وعلا، فما قدر الله حق قدره من هذا فعله، ولا عرف عظمته، وسوف يتبين له إذا وقف بين يدي الله جل وعلا يوم القيامة، بل قبل هذا سيتبين له حينما تحضر الملائكة لقبض روحه، وملائكة الله رسله الموكلون بأمره، والرسول صلى الله عليه وسلم وضح الأمر جلياً، وما ترك عذراً لمعتذر أبداً، وليس الذي يفعل هذا معذوراً بجهله، فالله جل وعلا قد أرسل الرسل وأنزل الكتب، فالذي يعرض عن ذلك هو الملوم، فماذا يقول الإنسان لربه يوم القيامة إذا سأله؟ أيقول: ما رأيت.
أو: ما تأملت الكتاب.
أو: ما تلقيت ما جاء به الرسول.
أو يقول: ما بلغنا الرسول؟! فما هناك عذر.
فالإنسان الذي لا يبلغه أن لله رسولاً وديناً وكتاباً أنزله، هذا لابد من إبلاغه، وإذا مات والحالة هذه فأمره إلى الله، فإما أن يعذبه وإما أن يعفو عنه.
فإذا مات ولم يسمع بدين لله وبرسول لله وبكتاب لله فأمره إلى الله، وهذا في الوقت الحاضر الظاهر أنه غير موجود؛ لأن وسائل التبليغ ووسائل العلم أصبحت متوافرة، والأمة والخلق كلهم يعرفون أن الله جل وعلا أرسل رسولاً، ولكن اليهود والنصارى وغيرهم لا يهتمون بهذا، أو يقولون: هو رسول العرب فقط.
وهم الآن كما هو مشاهد يجهدون أنفسهم ويبذلون أموالهم في إطفاء نور الله وإطفاء دينه بكل ما يستطيعون، وهذا أمر معلوم، فهل يسوغ أن يقال: إنهم معذورون في هذا.
فما بالك بمن هو في بلاد المسلمين ويعبد غير الله، فيطوف بالقبور، ويستنجد بها ويسألها، فهل يكون هذا معذوراً؟ كلا.
ما يكون معذوراً، مع أن عبادة الله ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم أمر لا يجوز جهله لأحد، وقد ثبت أن كل ميت يسأل عن مسائل ثلاث، فيقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فإن كان الإنسان مقلداً يسير خلف الناس، فإذا فعلوا فعلاً فعله، وإذا تركوا شيئاً تركه بدون بصيرة ولا برهان ولا علم فإنه سيتلعثم في الجواب، فيقول: رأيت الناس يفعلون شيئاً ففعلته أو: سمعتهم يقولون شيئاً فقلته، وهذا هو الواقع؛ لأن المسلمين ينقسمون إلى قسمين: مسلم يسمى مسلم اختيار، أسلم باختياره وبعلمه، فهذا الذي يجيب بلا تلعثم وبلا تردد، والله يثبت من يشاء عند المسألة، كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧].
وقد فسر القول الثابت في الحياة الدنيا بأنه التلفظ بالشهادة عند الموت، وأنه في الآخرة جواب الملكين اللذين يختبرانه، وقد جاء أن منظرهما وصوتهما مهول مفزع مخيف، وأن كل واحد معه مطراق من نار من حديد لو ضرب به الجبل لانهد، والإنسان ضعيف، وصوت الملك مثل الرعد القاصف، ويسأل بانتهار، لا بسهولة ويسر، بل ينتهر الإنسان انتهاراً.
ولما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لـ عمر قال: كيف بك إذا سألك وأنت بهذه الصفة؟ قال: له أأكون بعقلي؟ قال: نعم.
قال: إذاً أكفيكهما.
وهذا يكون للمؤمن، فلا يتلعثم ولا يتردد، أما الذي عنده شك، أو يكون إسلامه إسلام دار لا إسلام اختيار، فأصبح يرى الناس يصنعون شيئاً فيصنع مثلهم فقط، ولكن لو جاءه من يشككه في دينه لشك، ولو دعاه داع إلى الضلال لاتبعه، فإن ستر الله جل وعلا عليه، وبقي تابعاً للمسلمين فيجوز أن الله ينجيه؛ لأنه يصلي ويصوم، ولكن ليس عنده يقين وإيمان يمنعه من قبول الشكوك والريب، وهذا يخاف عليه أنه إذا سئل في قبره يتلعثم ويقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ورأيتهم يصنعون شيئاً فصنعته فيقال له: لا دريت ولا تليت أي: ما علمت العلم اليقيني الذي يمنعك من الشك والريب، ولا تلوت كتاب الله وآمنت به واتبعته، أي أنك تركت ما يجب عليك مما أنزله الله جل وعلا على رسوله وأمره بإبلاغه، فهذا معنى قولهم: (لا دريت ولا تليت).
فالمقصود أن كل ميت يسأل عن هذه الأسئلة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هذا الرجل الذي بعثك فيكم؟ أي: من الذي تعبده؟ وبأي شيء تعبد؟ ومن أي طريق أخذت عبادتك؟ فهذا معنى السؤال، فهل تعبده بالآراء، وتعبده بالقياس وبالبدع؟ ثم يؤكد هذا بالسؤال عمن جاء به، فيقال له: من نبيك؟.
ولهذا يعد العلماء هذه الأصول بأنها الأصول الثلاثة التي يسأل عنها كل مسلم ومسلمة، فيجب على المسلمين أن يتعلموا هذه الأصول ويؤمنوا بها؛ لأنهم يسألون عنها في القبر، ولا يجوز الشك فيها، وهي عبادة الله، ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الذي يتعبد ربه به، فكيف يصلي ومن أين أخذ الصلاة؟ وكيف يزكي؟ وكيف يصوم؟ وكيف يحج؟ وهذه الأمور الخمسة هي التي رتب عليها دخول الجنة، فما يدخل الجنة إلا من أتى بها، وهي أن يعبد الله ولا يشرك به، وأن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت إذا استطاع إليه سبيلاً، وهذا من رحمة الله جل وعلا، أعني كونه يعلق الحج بالاستطاعة، ومن تقصير كثير من المسلمين في هذا أن أحدهم إذا مرض وجدته يتساهل بالصلاة، وربما يقول: أنا لا أستطيع أن أصلي، فما أستطيع أن أقوم، وما أستطيع أن أتوضأ، فإذا شفيت أصلي وقد يموت ولا يشفى.