للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث: (رأى رجلاً في يده حلقة من صفر)

قال المصنف: [عن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهى عليك ما أفلحت أبداً) رواه أحمد بسند لا بأس به].

هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: على شرط الشيخين، وأقره الإمام الذهبي على ذلك، ورواه ابن حبان في صحيحه، ورواه غيرهم من أئمة العلم، وأكثر رواياته تدور على المبارك بن فضالة، قال الإمام أحمد فيه: إنه يرفع ما كان موقوفاً؛ ولهذا قال الذي حشى على الكتاب: إنه ضعيف، وهذا خطأ فاحش، فالحديث صحيح، وقد جاء من غير رواية مبارك بن فضالة، فقد رواه الطبراني بأسانيد عدة من طريق هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين وهذا سند صحيح لا مطعن فيه، وكذلك رواه من طرق أخرى، فهو حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في عضد الرجل حلقة من صفر أو حلقة -يعني: أنها من غير الصفر- فقال: (ما هذه؟)، فيحتمل أن الاستفهام عن السبب، ولكن جاء في رواية أنه قال: (ويحك! ما هذا؟!)، فدل على أن هذا إنكار من أول الأمر، وأنه منكر، ولا يجوز وضع مثل هذه الأشياء في الأيدي، ولا في الأرجل، ولا على أي شيء من أعضاء الإنسان؛ لأنها لا نفع فيها، فلما قال له: إنها من الواهنة، والواهنة مرض يعتقد أهل الجاهلية أنه يصيب الإنسان ويأخذه في كتفه، أو في عضده، وأنه يصيب الرجال دون النساء، وأن اتخاذ هذه الحلق والخرزات تخفف ذلك أو تزيله، وهو اعتقاد جاهلي شركي.

ثم قال له: (انزعها) والنزع هو الأخذ بقوة، (فإنها لا تزيدك إلا وهناً) والوهن هو الهلاك، يعني: أنها تزيدك شراً وهلاكاً؛ لأنها تعلق بغير الله جل وعلا وهو شرك، شرك بالله، وفي رواية أنه قال: (فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً)، وهذا يدلنا على أنها ليست من الشرك الأصغر؛ لأن الذي لا يفلح أبداً يكون ممن استحكم هلاكه، ومنع من دخول رحمة الله وجنته، وهذا لمن اعتقد أنها تدفع البلاء قبل نزوله أو ترفعه بعد حصوله، فمن اعتقد ذلك فإنه إذا مات وهو يفعل هذا الشيء فإنه لا يفلح أبداً.

فدل هذا على أنه يحرم على الإنسان أن يعلق بفعله شيئاً من الخيوط أو من النحاس أو من غيرها من التمائم مما يفعله أهل الجاهلية وأهل الشرك أو أشباههم الذين يتشبهون بهم، وهذا أمر يوجد في الناس إلى الآن، ويعتقدون أن هذا المرض الذي تسميه الجاهلية واهنة موجود، وأن هذه التي تعلق من الخيوط والخرزات أو من الفضة والنحاس والسلاسل التي يعلقها الجهال وأشباههم أنها تنفع من ذلك، وهذا -كما سمعنا في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم- لا يزيد الإنسان إلا وهناً أي: لا يزيده إلا هلاكاً، وإذا كان معتقداً فيه النفع بنفسه أو أنه يرفع البلاء والمرض الذي ينزل بالإنسان فإنه إذا مات على ذلك لا يفلح أبداً.

وهذا أمر صعب جداً، ويجب على من تهمه نفسه أن يعتني بذلك، وأن يتجنبه، وأن ينصح أخاه الذي يقع في مثل هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم بين ذلك ووضحه في هذا الحديث.