للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التغليظ من عبادة الله عند قبور الصالحين]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟] هذا الباب من الأبواب التي كررها المؤلف للحاجة إليها؛ لكثرة ما يقع الناس في المخالفة في هذا، ولا يزال الناس بأمس الحاجة إلى معرفة الحق في ذلك، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كثيراً منهم يقع في الشرك وهو يظن أنه جائز، والواقع أنهم يخطئون في فهم الخطاب الذي يتعلقون به، فمثلاً: يسمعون كلمة التوسل فيظنون أن التوسل هو طلب الشفاعة من الأموات؛ لأنهم وجدوا الناس هكذا يصنعون، فظنوا أن هذا هو التوسل، وهو الوسيلة، فإذا قال الله جل وعلا: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:٣٥] قالوا: الوسيلة أن نذهب إلى الأولياء، ونطلب منهم أن يشفعوا لنا عند الله، ويقربونا إلى الله، فتكون الوسيلة التي أمر الله بها هي الشرك على حد قولهم وزعمهم.

كذلك ما فهموا معنى العبادة التي أمر الله جل وعلا بها الخلق فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} [النساء:٣٦]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] هل معنى (نعبد ربنا) أن العبادة مجرد السجود؟ لا، العبادة كل شيء يتقرب به، ويطلب نفعه أو ضره، ويجب أن تكون لله، والأمور التي ليست من الأسباب الظاهرة التي يباشرها الإنسان لا يجوز طلبها إلا من الله جل وعلا، فمن أين للأموات أن يطلب منهم النفع أو الضر؟ هل عندهم أسباب؟ كلا، ليس عندهم شيء، والأموات في الواقع أعجز من الأحياء، إذ الأحياء يقدرون على ما لا يقدر عليه الأموات، فكيف يطلب من ميت انقطع عمله ولا يستطيع أن يزيد في صحيفة حسناته حسنة واحدة، ولا أن يمحو من سيئاته سيئة واحدة، بل ما استطاع أن يدفع الديدان عن بدنه، ثم يأتي إنسان عاقل ويلتجئ إليه ويدعوه؟!! من أين له الدعوة؟ والله خلقك وكرمك بالعقل، وسخر لك ما في الأرض، ثم تهبط بعقلك وبفعلك إلى هذا المستوى المنحط الذي يمقتك الله جل وعلا عليه، ويجعلك من أبعد الخلق عنه، ولهذا صار المشرك الذي يجعل الدعاء والعبادة لغير الله ميئوساً منه، وإذا مات على ذلك فهو في النار قطعاً: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] وهل يجوز للمسلم أن يسمع أن الله جل وعلا لا يغفر الشرك ثم لا يتعرف على الشرك ولا يعرف ما هو؟ لا يجوز، فيجب أن يعرف الإنسان الشرك، ويعرف العبادة والتأله؛ حتى لا يقع فيما نهاه الله جل وعلا عنه؟ فالنقص كله يأتي الناس من هذه النواحي.

أصل الدين الإسلامي الذي دعت إليه الرسل: لا إله إلا الله، وليس المقصود التلفظ بها، وإنما المقصود أن ينفي التأله عن غير الله، ويثبته لله وحده، وأن يجعل التأله لله وحده وينفيه عن غيره.

وفي هذا الباب يقول: (ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟) أي: فكيف إذا عبد ذلك الصالح؟ يعني: فإنه يكون مشركاً إذا عبد الرجل الصالح، والمشرك مخلد في جهنم، وإنما كان هذا الوعيد لمن عبد الله عند القبر؛ لأن ذلك وسيلة إلى عبادة القبر.