للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى التحريف]

التحريف: هو التأويل الباطل، والعدول بها وبمعانيها عما أراده الله جل وعلا، كقولهم: يد الله أي: نعمته، وكقولهم: غضب الله أي: نقمته، وكقولهم: رحمة الله أي: إحسانه، وهكذا.

وهذا كثير جداً في تفاسير هؤلاء وفي شروحهم للحديث، فيجتهدون غاية الاجتهاد في صرف معاني أوصاف الله وأسمائه إلى ما يعقلونه هم، وما يتعارفون عليه، ويحرفونه من أجل ذلك؛ لأنهم ما عرفوا من اليد إلا أيديهم التي يتعارفون عليها، ولهذا كثير منهم يقول: يد الله ليست جارحة، فالله لا يوصف بالجوارح، فمن قال لك: إنها جارحة، فقل: إن الله له يد، ويجب أن نثبتها كما جاءت، أما كلمة جارحة فهي من عندك، فلا يجوز أن نثبتها، ولا يجوز أن ننفيها؛ لأنه شيء ما جاء إثباته ولا نفيه فيتوقف فيه.

ثم إن الله جل وعلا قد أخبرنا أنه ليس كمثله شيء، وأنه لا سمي له، وأنه لم يكن له كفواً أحد، وأنه لا ند له، والناس جميعاً متفقون على أن الله في ذاته جل وعلا ليس له مثيل، ولا يشبهه شيء، فإذا كان الأمر كذلك فالصفات تبع للذات، يحتذى فيها حذو الذات، فإذا كان جل وعلا ليس له مثيل في ذاته، فهو كذلك ليس له مثيل في أوصافه وأسمائه؛ لأن الصفة والاسم تبع للذات.

فالواجب أن نفهم كلام الله، وأن نوقعه الموقع الذي أراد منا جل وعلا، وألا نؤول ولا نحرف، فإن التأويل والتحريف كله صد عن معرفة الله جل وعلا، وقد قال جل وعلا: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠] فهذا وعيد من الله للملحدين أنهم أنه سوف يلقون جزاءهم حين يلقوه {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} فندعوه بأسمائه ونعبده بها، فنقول: يا منان من علينا، يا غفار اغفر لنا، وهكذا نسأله بأسمائه، ونعبده بها جل وعلا، وكل اسم له صفة أخذ منها، فالأصل الصفات، والأسماء فرع عن الصفات، فالرحمن أخذ من الرحمة، والعزيز من العزة، والحكيم من الحكمة، والغفور من المغفرة، وهكذا.