للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على النوافل في البيوت]

قال الشارح: [قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) قال شيخ الإسلام: أي: لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم من هذه الأمة].

ليس معنى ذلك أنه خص البيوت بالتعبد، وإنما حث على أن يجعل فيها شيء من العبادة، والمقصود بالعبادة هنا النوافل، أما الفرائض فيجب على المسلم أن يؤديها في المساجد حيث ينادى لها، ولا تكون في البيت، وإنما الذي يكون في البيت النوافل، والمسلم مطلوب منه أن يتزود من الخير، والذي يقتصر على الفرائض فقط على خطر؛ لأن الإنسان يعتريه النسيان، ويعتريه التقصير، ويعتريه الجهل، تعتريه نواقص كثيرة جداً، وقد جاءت النصوص بأن الإنسان يوم القيامة تكمل فرائضه من النوافل والتطوعات، جاء في الحديث أن أول ما يحاسب عليه الإنسان صلاته، فإذا نقص منها شيء قيل: انظروا هل له تطوع؟ فيكمل من التطوع، وهذا من فضل الله جل وعلا وإحسانه، وإلا له الحق بألا يقبل التطوع إذا نقص الفرض؛ لأن الفرض يجب أن يؤتى به على الوجه المطلوب، فإن لم يأت به على الوجه المطلوب فقد قصر الإنسان، فالصلاة والذكر والتلاوة وغيرها من العبادة إذا كانت تطوعاً ففعلها في البيت أفضل، حتى وإن كان الإنسان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي الصلاة فيه بألف صلاة، فربما ركعة في البيت تساوي ركعات كثيرة في المسجد لماذا؟ لأنه في البيت يكون وحده، ويأمن نظر الناس الذي قد يدعوه إلى تزيين الصلاة وتطويلها وتحسينها فيكون ذلك لغير الله، ويكون العمل مردوداً، أما في بيته فهو يأمن هذا، لأجل هذا حث الشرع على الصلاة في البيوت صلاة التطوع، وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تكون صلاة التطوع في البيوت، فعلى هذا لا يكون تناقض أو تضارب بين قوله: (صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة) وبين حثه وأمره على الصلاة في البيوت؛ لأن الصلاة في البيت وإن لم تكن الركعة بألف ركعة تكون أفضل من حيث الصفة من الإخلاص، ومقصد الإنسان، وبعده عن المراءاة، من هذه النواحي، والعبرة بالصفة وبالكيفية وليست بالكمية.

والله جل وعلا ينظر إلى القلوب، أما الصور الظاهرة فهذه لا تجزي بشيء، فهذا هو الذي اقتضى الحث على العبادة في البيوت، ثم لا يجوز للإنسان أن يكون بيته معطلاً من ذكر الله ومن تلاوة القرآن، ومن المعلوم أن أكثر البيوت الآن فيها من المزامير والأغاني والصور والمسلسلات، وغير ذلك من أمور كثيرة داعية إلى المعاصي، والنظر إلى كثير منها معصية، فهي من دواعي حضور الشياطين إليها؛ لأن الشيطان يحب المعاصي ويحضرها، فينبغي أن يقاوم المسلم هذا الشيء، وربما كانت المقاومة ضعيفة، ولكن إذا كان الإنسان عنده إيمان وعنده إخلاص طرد الشياطين بإذن الله.