الخوف الطبيعي: هو الذي يكون مطبوعاً عليه الإنسان في نفسه، كخوفه من السبع، والحية، وجدار أن يسقط عليه، أو ماء يغرق فيه، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا لا بأس به؛ لأن هذا أمر مطبوع عليه الإنسان، وليس هو مثل خوف السر الذي يجتمع فيه شيئان: الخوف والإجلال، وخوفه منه كان لسر فيه.
والواجب أن يخاف الإنسان من ربه، وأما الأسباب الظاهرة المؤدية للهلاك أو التلف فإنه لا يجوز له أن يلقي نفسه فيها ولا يجوز له أن يلقي نفسه في الأشياء الخطرة التي لا له عنها محيص ولا منجى، مثل: كونه يجلس تحت جدار مائل أو ما أشبه ذلك، أو كونه يلاقي السباع أو الحيات أو ما أشبه ذلك، ويقول: أنا لا أخاف، كما يحدث من بعض قاصري النظر أو الفكر.
كما ذكر ابن الجوزي رحمه الله: أن رجلاً من الصوفية -الذين يقولون: إنهم يتوكلون على الله ولا يخافون غيره- ذهب حاجاً ماشياً على سبيل التوكل، وليس معه زاد وراحله، يقول: فصادفته سباع في الطريق، فكأن نفسه خافت -الخوف الطبيعي الذي في النفوس- فعاد على نفسه باللوم، وقال: كيف تخافين، لابد أن أقصد هذه السباع في وسط الطريق، فحمل نفسه على ذلك، فما تحملت النفس ذلك، فعندما وصل إلى السباع ذهب عقله وسقط مغشياً عليه، فبقي كذلك إلى أن أيقظه حر الشمس، وقد تفرقت عنه السباع! ومثل هذا العمل لا يجوز.
والله جل وعلا أخبر عن موسى عليه السلام أنه خرج من المدينة خائفاً يترقب من عدوه أن يدركه ويقتله، وهذا خوف طبيعي، وليس الخوف الذي يمكن أن يكون فيه نقص في توحيد الله جل وعلا، والمقصود: أن هذا النوع من الخوف لا ضير على الإنسان فيه إذا حصل.