[الأنبياء لا تستحيل أجسادهم ولا تتطرق إليها نجاسة]
قال:[ويقال أيضا: هذا اللعن والتغليظ الشديد إنما هو فيمن اتخذ قبور الأنبياء مساجد، وجاء في بعض النصوص ما يعم الأنبياء وغيرهم، فلو كانت هذه هي العلة لكانت منتفية في قبور الأنبياء لكون أجسادهم طرية لا يكون لها صديد يمنع من الصلاة عند قبورهم، فإذا كان النهي عن اتخاذ المساجد عند القبور يتناول قبور الأنبياء بالنص علم أن العلة ما ذكره هؤلاء العلماء الذين قد نقلت أقوالهم، والحمد لله على ظهور الحجة وبيان المحجة، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله].
الأنبياء في قبورهم أحياء، فلا تتطرق إليهم الأرض بأكل أجسادهم أو شيئاً منها، ولكن هذه الحياة لا نعرف ما كيفيتها، فهي حياة برزخية غير معروفة، ولكن حياتهم أكمل من حياة الشهداء، وقد نهانا الله جل وعلا أن نقول لمن يقتل في سبيل الله إنه ميت {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}[البقرة:١٥٤]{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:١٦٩]، هذا في الشهداء.
أما الأنبياء فهم أكمل حياة من الشهداء، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ جابر بن عبد الله:(أتدري ماذا قال الله لأبيك؟ -وأبوه قتل في أحد- فإنه قال له: يا عبدي! تمن علي، فقال: ماذا أتمنى وقد أعطيتني ما لم تعطه أحداً من الناس؟! ثم يقول: تمن علي ثم تمن علي، فلما رأى ذلك قال: يا ربي! أريد أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك مرة أخرى) للشيء الذي رآه.
وقد جاء أن معاوية رضي الله عنه أراد أن يجري عيناً من أحد إلى المدينة، وذلك بعد أربعين من وقعة أحد، فجاءت بالقرب من مقبرة شهداء أحد، فقيل للناس: من كان له ميت فليزله من هذا المكان، فلما أزالوهم وجدوهم كما هم، وكأنهم دفنوا الآن، ومع الحفر ضربت المسحاة قدم أحدهم أو يده فسال الدم.
وكذلك يقول جابر: إن والده دفن مع رجل، يقول: وبعد وقت ما سمحت نفسي حتى أخرجته فوجدته كما هو، وهذا كثير، ولكن كلام الله أبلغ من هذا، وهو الذي يجب أن يصدق ويؤمن به.
فهذا في آحاد الناس أنهم أحياء وأنهم يرزقون عند ربهم، والرزق حقيقي كما قال الله:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:١٦٩] إذا كان يقول: (عند ربهم يرزقون) فليس الرزق للأرواح فقط، بل يعم البدن والروح.
وإذا كان هذا للشهداء فحياة الأنبياء أكمل بلا شك، وحياة رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل بلا شك؛ ولهذا فإن النبي صلوات الله وسلامه عليه حي في قبره ولكن مثلما قلنا: حياة برزخية لا نعرف كيفيتها، ولا يحتاج معها إلى ما يحتاجه في هذه الحياة، ومع ذلك ما طمع الشيطان في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم ويقول لهم: إنه حي في قبره فاذهبوا واسألوه عن المشاكل التي تقع بينكم، وكان أحدهم يبكي وإذا قيل له: مالك؟ يقول: لأني ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا وكذا.