قال الشارح رحمه الله: [قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:٥٠] استفهام إنكار، أي: لا حكم أحسن من حكمه تعالى، وهذا من باب استعمال (أفعل) التفضيل فيما ليس له في الطرف الآخر مشارك، أي: ومن أعدل من الله حكماً لمن عقل عن الله شرعه وآمن وأيقن أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، العليم بمصالح عباده، القادر على كل شيء، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره؟ وفي الآية التحذير من حكم الجاهلية واختياره على حكم الله ورسوله، فمن فعل ذلك فقد عرض عن الأحسن -وهو الحق- إلى ضده من الباطل].
قوله:[من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس له في الطرف الآخر مشارك].
يعني أن أفعل التفضيل إذا جاء في اللغة العربية فلابد أن يكون له مشارك يقابله، تقول: فلان أفضل من فلان ولابد أن يكون بينهما شيء من الاتصاف والعمل الذي يتصفون به ويعملون به، ولا يصح أن تقول: الإنسان أفضل من هذا الحجر.
فلابد أن يكون الذي فضل عليه مشاركاً له في الأوصاف، وفي الأعمال، ومعلوم أن الإنسان لا يشارك الرب جل وعلا في حكمه، وفي علمه، وفي أحكامه، وفي عدله، وفي غير ذلك من صفاته وأفعاله، فقال: إنه استعمل فيما لا مقابل له؛ لأن هذا حكم الله.
وهذا كثيراً ما يأتي، كقول الله جل وعلا:{آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل:٥٩]، وليس هنا أحد ممن يعقل يقول: إن الأوثان نظير الله أو مماثلة لله جل وعلا، فضلاً عن أن يقول: إنها خير منه تعالى الله وتقدس.
وكذلك قوله:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:٢٤]، فهل بين الجنة، وبين النار شيء من الاشتراك حتى يقال: إنها أفضل؟ وإنما هذا يستعمل في الشيء الذي لا يكون له مقابل يشاركه فيه، وهذا مثله.
والمقصود أن هذا أسلوب جاء به القرآن، وهو أسلوب عربي، ويفهم من هذا الخطاب أن المقابل لا يشارك من فضل عليه بشيء.
أما الجاهلية فهي كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء أكان قبل مجيء الإسلام، أم بعده، ولا يلزم أن تكون سابقة، بل قد تكون الجاهلية اللاحقة أسوأ من الجاهلية السابقة.