وقوله:(ولعن الله من غير منار الأرض) المنار هو: العلامات التي يستنار بها يعني: يستدل ويهتدى بها، فهي المراسيم التي توضع لتميز حق هذا من حق هذا، فمن غيرها لأجل أن ينفع واحداً ويضر الآخر أو يزيد في حق هذا من حق هذا فهو ملعون.
وكذلك تطلق على العلامات التي توضع على الطرق ليهتدي بها المسافر والسائر في الطريق، فالذي يغيرها بأن يزيلها داخل في هذا الوعيد؛ لأن هذا من منار الأرض وعلاماتها التي يهتدى بها، فإذا كان من صنع ذلك يكون ملعوناً وهو لا يتعلق بحقوق الناس فكيف بما يتعلق بدين الله؟! ومن هذا ما يفعله بعض الفسقة الذين يتولون -مثلاً- سجلات أو يكون بأيديهم دفاتر يكتبون فيها ضبط حقوق الناس بعضهم من بعض، فإذا غيروا فيها لأجل نفع إنسان ومضرة آخر فإن هذا داخل في هذا الوعيد، وكذلك الذي يغير الوثائق التي توثق للإنسان بأن هذا حقه فيغيرها ويبدلها إما بالمسح أو يخفيها أو يمزقها أو ما أشبه ذلك فإنه داخل في هذا الوعيد؛ لأن هذا من تغيير منار الأرض؛ لأن الوثائق والصكوك من علامات الأرض التي تميز هذا عن هذا، فإذا غيرت وبدلت فإن هذا الفاعل يكون مغيراً لمنار الأرض ويكون داخلاً في اللعنة.
وقد جاء أن أظلم الناس من ظلم الناس بالناس، يعني: من ظلم هذا لأجل أن ينفع الآخر، لا لأجل نفسه، فهذا هو أظلم الناس، وقد قال بعض العلماء: إن منار الأرض يقصد بها الهداة والدعاة الذين يدعون إلى دين الله وإلى هدايته؛ لأنهم هم الذي يستنار بهم، وهم الذين يهتدى بأقوالهم وبما يدلون عليه، فإذا -مثلاً- قتلهم الجاني أو منعهم من ذلك فهو تغيير لمنار الأرض؛ لأنهم هم نجومها التي يهتدى بها؛ ولهذا جاء في الحديث:(العلماء كالنجوم التي يهتدى بها)، فإذا ذهبت نجوم السماء جاء أمر الله، وإذا ذهب العلماء من الأرض جاءها أمر الله الذي وعده الله، فإذا مُنعوا أو قُتلوا فإن المانع والقاتل داخل في هذا الوعيد، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُعطي جوامع الكلم فكلامه يكون جامعاً عاماً.