قال الشارح رحمه الله: [وفي هذه الجملة من الفوائد: أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار من التبرك بها، والعكوف عندها، والذبح لها هو الشرك، ولا يُغتر بالعوام والطغام، ولا يستبعد كون الشرك بالله تعالى يقع في هذه الأمة، فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسناً وطلبوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى بين لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل:{اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف:١٣٨]، فكيف لا يخفى على من دونهم في العلم والفضل بأضعاف مضاعفة، مع غلبة الجهل وبعد العهد بآثار النبوة؟! بل خفي عليهم عظائم الشرك في الإلهية والربوبية، فأكثروا فعله واتخذوه قربة].
هناك كثيرون ممن اشتغلوا بالكلام وبالعلم والكتابة، بل وبتفسير القرآن، وبشرح الحديث أخطئوا في هذا المعنى، وضلوا فيه؛ بسبب بعد عهدهم بالنبوة، وبسبب كثرة الواقعين في ذلك، فتوارثوا هذا الشيء وصار كأنه أمر مسلم لا خطأ فيه، ولا ينكره أحد، فقبلوه، وهذا مثل ما يقول كثير من المتكلمين: معنى الإله: هو القادر على الاختراع، وهذا من أكبر الخطأ؛ لهذا يقول بعض العلماء: من اعتقد هذا فهو مشرك، والإله ليس معناه: القادر على الاختراع، بل الإله معناه الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا يعبد إلا هو جل وعلا، أما القادر على الاختراع فهو معنى الرب، وكذلك بعض المفسرين -الذين تفاسيرهم مشهورة- أكثروا من ذكر هذا المعنى في تفاسيرهم، حتى إن أحدهم لما جاء إلى قصة بني إسرائيل مع موسى حرف الكلام، وقال: هذا لا يعقل أن يقع، فجاء بأمور عجيبة! والسبب أنه اعتقد أن قول بني إسرائيل:{اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف:١٣٨] أن معناه: اجعل لنا رباً مثل الله، وهذا هو الذي دعاه إلى التحريف والتأويل، وهذا خطأ من الأصل: خطأ في الفهم، وخطأ في الشيء الذي بنى عليه، فإذا كان مثل هذا يقع من علماء كبار، فيخشى أن يقع ممن لم يصل إلى ما وصلوا إليه في العلم.
فالمقصود: أن الإنسان يجب أن يعتني بهذا الأمر كثيراً، وألاّ يفرط في ذلك بعدم السؤال وعدم البحث؛ لأن هذا أمر مهم جداً، الإنسان ليس له إلا عمر واحد وحياة واحدة، فإذا ذهبت حياته وهو على غير الهدى فمن أين له أن يستدرك ذلك؟! فينبغي أن يهتم بنفسه قبل فوت الأوان.