للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة.

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) رواه أبو داود].

الفرق بين هذا الباب وبين الذي قبله: في الذي قبله أن من سأل بالله وجب إعطاؤه، والسؤال بالله في الذي قبله عام، مثل أن يقول السائل: أسألك بالله، أو أسألك بالذي خلق السموات والأرض، أو بالذي أنعم عليك، أو أسألك برب العالمين أو ما أشبه ذلك، عام في أي صفة من صفات الله أو أي لفظ يدل على ذلك، كما سبق في حديث الثلاثة الأعمى والأقرع والأبرص، فإن الملك جاء إلى الأول وقال: أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، وأعطاك المال، وكذلك قال للثاني، وقال للثالث: بالذي رد عليك بصرك، وأعطاك المال.

إذا قال الإنسان لآخر: أسألك بالذي أنعم عليك وأغناك، فيكون سائلاً بالله، أما هذا الباب فهو خاص بوجه الله، مثل أن يقول الإنسان: أسألك بوجه الله، هذا لا يجوز أن يسأل به شيئاً من أمور الدنيا، فلو سأل شيئاً من أمور الدنيا بوجه الله فهو ملعون لعظمة وجه الله جل وعلا، ولهذا قال: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)؛ لأن الجنة هي الغاية التي يسعى لها المؤمنون، وهي التي تكون بها السعادة الأبدية، وسماها الرسول صلى الله عليه وسلم عظيمة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تنسوا العظيمتين: الجنة والنار).

ومثل ذلك أن يسأل شيئاً يقرب إليها ويوصل إليها، أو يسأل أن يمنع من شيء يمنع منها، مثل كونه يستعيذ بوجه الله من غضبه، يستعيذ بوجه الله من أن يقع في المعاصي التي تبعده عن ربه جل وعلا، كما جاءت أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: (أعوذ بوجه الله العظيم، وبكلماته التامات، من شر ما خلق) وكذلك قوله في الحديث المشهور في قصة ذهابه إلى الطائف لما ردوا عليه الرد القبيح، وأغروا به سفاءهم؛ فصاروا يرمونه بالحجارة صلوات الله وسلامه عليه حتى أدموا رجليه، فانقلب على وجهه فلم يفق إلا وهو في قرن الثعالب، عند ذلك دعا بذلك الدعاء المشهور: (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك العتبى حتى ترضى)، فهذا كله من الوسائل التي تقرب إلى الجنة.

أما أن يسأل بوجه الله جل وعلا شيئاً من أمور الدنيا فهذا لا يجوز؛ لأن في ذلك إهانة بالعظيم، حيث سأل به الشيء الحقير، والدنيا كلها حقيرة ليست شيئاً، والسائل بهذا الشيء ما عرف الله حق المعرفة، ولا قدره حق قدره، بل تنقصه؛ ولهذا استحق أن يكون ملعوناً، وقد جاء في الحديث: (ملعون من سأل بوجه الله غير الجنة، وملعون من سئل بوجه الله فلم يعط)، فإذا أعطى فأجره عظيم.