للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النهي عن جعل القبر عيداً

قال الشارح: [قوله: (ولا تجعلوا قبري عيداً) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائداً إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر ونحو ذلك.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان، مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسماً للمكان فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع وانتيابه للعبادة وغيرها كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله عيداً للحنفاء ومثابة للناس].

المثابة الرجوع، وهو بمعنى العيد، ثاب يثوب، ثاب مرة بعد أخرى، يعني: أن الإنسان إذا ذهب إلى مكة يعود مرة أخرى، ويجد في نفسه دافعاً يدفعه، وحادياً يحدوه إلى أن يعود مرة أخرى، وكل إنسان إذا جاء وقت الحج وكان عنده إيمان ومحبة للخير؛ تجد في قلبه ما يدعوه إلى ذلك، ويحن إلى هذه الأماكن، ويقال: إن هذا أثر دعوة إبراهيم عليه السلام: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:٣٧] فإن الله استجاب له هذه الدعوة، ويقول بعض العلماء: لولا أنه قال: من الناس لكان هذا عام شامل لجميع الخلق، فتجد الخلق كلهم يريدون المجيء إلى مكة.

فالمقصود أن معنى المثابة هو بمعنى العيد، فهم يثوبون بمعنى: يرجعون مرة بعد أخرى، ويكررون ذلك، ولو لم يكن من رجل واحد ولكن من الجميع.

قال الشارح: [كما جعل أيام العيد فيها عيداً، وكان للمشركين أعياد زمنية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام منى، كما عوضهم من أعياد المشركين المكانية بالكعبة ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر].

الواقع أن أعياد الجاهلية زادت الآن وكثرت، من قبل كانت أقل، أعياد الجاهلية التي كانت قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كثيرة مثل أعياد الجاهلية اليوم، فجاهلية اليوم لا تحصى أعيادها، عيد مولد، وعيد شجرة، وعيد أم، وعيد أمة، وعيد اعتلاء العرش، وعيد وطن، وعيد كذا، تجد أعياداً كثيرة جداً، وكلها بدع وضلالة، وكلها مخالفة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإن الله عوضكم عن أعياد الجاهلية بعيد الفطر والأضحى)، ليس للمسلمين إلا هذين العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى.

الأسبوع له عيد وهو الجمعة، ولكن العيد لا يعطل فيه العمل كما يتصور بعض الناس، فإن الله أمرنا بالسعي في يوم الجمعة لطلب الرزق، يقول الله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة:١٠]، ولكنه عيد بمعنى أنه فيه عمل صالح، وفيه اجتماع على عمل صالح، هذا معنى كونه عيد الأسبوع، فيه اجتماع في بيت من بيوت الله على عمل صالح، وليس معنى ذلك ترك الأعمال.

أما الأعياد الأخرى -وإن زعم أن فيها منفعة- فالواجب أن يكون المسلم مكتفياً بما في تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس فيها شيء فيه تقصير أبداً، النفع كله موجود في تعاليم الإسلام، وكل ما يزعم في هذه الأعياد من منافع ففي تعاليم الإسلام أكثر منه وأعظم، ولكن ليس على ذلك الوجه، بل على وجه يرضي الله جل وعلا ويرضي رسوله صلوات الله وسلامه عليه، أما البدع فإنها ترضي الشيطان، وتبعد عن الله، وتجعل العمل لا خير فيه ولا بركة فيه، ولا جدوى فيه في الآخرة، بل هو ممحوق البركة.

قال الشارح: [قوله (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم، فلا حاجة لكم إلى اتخاذه عيداً.

قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) تقدم كلام شيخ الإسلام في معنى الحديث قبله.

انتهى].