[تفسير قوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم)]
قال المصنف: [فيه مسائل: الأولى: تفسير الآية].
الآية هي قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣]، وسبق أن الضمائر في هذا الخطاب للملائكة، (فزع عن قلوبهم) يعني: عن قلوب الملائكة، والتفزيع هو: إزالة الفزع، فهم يفزعون حينما يسمعون كلام الله فيخرون سجداً ويُغشى عليهم، فإذا ذهب الغُشِي صار بعضهم يسأل بعضاً: ماذا قال ربكم؟ ويجيب المسئول بقوله: قال {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣].
[الثانية: ما فيها من الحجة على إبطال الشرك خصوصاً ما تعلق على الصالحين وهي الآية التي قيل: إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب].
المقصود هذه الآية والتي قبلها، وهي قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سبأ:٢٢] إلخ.
[المسألة الثالثة: تفسير قوله تعالى: {قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣]].
سبق أن هذا قول الملائكة حينما يُكشف عنهم الفزع يعني: الغشي الذي يصيبهم خوفاً من الله جلَّ وعلا، فيتساءلون فيما بينهم حتى ينتهي السؤال إلى جبريل عليه السلام، وهو الذي يتولى الوحي من الله جلَّ وعلا سواءً كان ذلك إلى الملائكة أو إلى البشر، فيقول لهم: قال: الحق، فيقولون كلهم: قال الحق، والله جلَّ وعلا لا يقول إلَّا الحق تعالى وتقدس، ومعنى ذلك: أنه يجب أن يُؤمَن بأن الله يقول قولاً يُسمع، ويَسمَعه مَن يُسمِعه إياه جلَّ وعلا، وأن قوله حق، والحق معناه: الشيء الثابت الذي لا يتزعزع، تقول العرب: حق فلان بالمكان إذا ثبت فيه وأقام، فالحق هو: الثابت، بخلاف الباطل، فإن الباطل يزول ويتزعزع ولا يثبت.
[المسألة الرابعة: سبب سؤالهم عن ذلك].
سبب السؤال هو ما ذكره بعض المفسرين من أنهم يخافون أن يكون هذا الأمر بقيام الساعة؛ لأن الوقت قريب، وهذا كان في أول ما أوحى الله جلَّ وعلا إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوقت مقترب، فخشوا أن يكون أمراً إلى إسرافيل بنفخه في الصور، وساعة قيام الساعة هو النفخ في الصور النفخة الأولى، وهي النفخة التي يموت فيها كل حي من خلق الله جلَّ وعلا.
[الخامسة: أن جبريل يجيئهم بعد ذلك بقوله: قال: كذا وكذا.
السادسة: ذكر أن أول من يرفع رأسه جبريل].
جبريل أيضاً يصيبه الصعق، فحينما يسمع أن الله جلَّ وعلا يتكلم بالوحي يُصعق خوفاً من الله جلَّ وعلا، ثم إذا رفع رأسه أوحى الله جلَّ وعلا إليه ما أوحى، وبعد ذلك تسأله الملائكة الأقربون ثم الأقرب فالأقرب، فأول من يسأله ملائكة أهل السماء السابعة.
[السابعة: أنه يقول لأهل السماوات كلهم؛ لأنهم يسألونه].
يعني: حينما يمر بهم يسألونه.
[الثامنة: أن الغشي يعم أهل السماوات كلهم].
وذلك يدل على أن أهل السماوات كلهم يسمعون الصوت الذي يعرفون أنه كلام الله بالوحي؛ ولكن لا يفقهونه، وإنما يسمعون صوتاً كجر السلسلة على الصفوان، فهم يسمعون صوتاً يعلمون أنه كلام لله جلَّ وعلا؛ ولكن لا يميزونه ولا يعلمون ما هو، فيصيبهم الصعق، ثم بعد ذلك يسأل بعضهم بعضاً عنه.