للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط (لا إله إلا الله)]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وفي رواية للبخاري: فقال: (ادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله).

قلت: لا بد في شهادة أن لا إله إلا الله من سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها: أحدها: العلم المنافي للجهل.

الثاني: اليقين المنافي للشك.

الثالث: القبول المنافي للرد.

الرابع: الانقياد المنافي للترك.

الخامس: الإخلاص المنافي للشرك.

السادس: الصدق المنافي للكذب.

السابع: المحبة المنافية لضدها].

هذه شروط لنفع (لا إله إلا الله)، ويكون قائلها ممن يسبق إلى الجنة.

الأول: العلم.

أن يعلم معناها فلا بد من ذلك.

والثاني: اليقين.

أي يتيقن من كون ما جاءت به وما اقتضته أنه حق، وهو دين الله الذي لا يجوز التردد والشك فيه.

الثالث: الصدق الذي ينافي الكذب في قولها.

فإذا قال لا إله إلا الله يكون صادقاً، وإلا لم يكن صادقاً بل كان منافقاً، ولا ينفعه قولها، فإن الله جل وعلا يقول: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:١] يشهدون ومع شهادتهم وكونهم يقولون: (نشهد إنك لرسول الله) يقابلونه ويقولون: نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله.

وهذا نفي للشهادة، ولو قالوا بألسنتهم وشهدوا وتكلموا وقلوبهم فارغة من ذلك فهم كذبة.

إذاً فلا بد من الصدق.

والرابع: القبول المنافي للرد.

كونه لا يرد شيئاً من الإسلام ولا يقبله.

والخامس: الانقياد المنافي للترك.

أن ينقاد ويستسلم لذلك، والانقياد معناه أنه يكون راغباً ذالاً لذلك، ولو قيل: إن حكم الله كذا وكذا فلا يتوقف فيه، ولا بد أن ينقاد له، فلا يكون مثل كثير من الناس إذا صار عليه حق من الحقوق وقيل له: نذهب إلى الشرع يقول: لا حتى تأتيني بجندي.

فهذا ليس إنقياداً في الواقع؛ لأنه يدله إلى الشرع.

والذي يدعى إلى الشرع يجب أن ينقاد، ولا يجوز أن يتوقف بحال من الأحوال، ولا يقول: ائتني بجندي.

فالحق لله في هذا، وإذا كان غير صادق فيتبين بالحجج، وإنما أنت تدعى إلى حكم الله فلابد من الانقياد.

السادس: المحبة المنافية للبغضاء.

أن يحب هذه الكلمة وما دلت عليه، ويغتبط بذلك.

والسابع: الإخلاص.

أن يخلص في القول والعمل لله جل وعلا، فلا يريد بذلك غير ولا يقصد بعمله غير الله.

ويضاف شرط ثامن لا بد منه، وهو الكفر بكل ما يعبد من دون الله، فلا بد أن يكفر بكل ما يخالفها، ولذلك يقول الله جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:٢٥٦]، فيبدأ بالكفر بالطاغوت أولاً.

[وفيه دليل على أن التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه هو أول واجب، ولهذا كان أول ما دعت إليه الرسل عليهم السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، وقال نوح عليه السلام: {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:٢٦]، وفيه معنى لا إله إلا الله مطابقة].

أي: مطابقة {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:٤٠]، فقوله (ألا تعبدوا) هو معنى (لا إله)، وقوله (إلا إياه) هو معنى (إلا الله) مطابق في المعنى، وهذا كثير في القرآن في دعوات الرسل كلهم، فكل رسول يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، فقوله: (اعبدوا الله) هو معنى (إلا الله)، وقوله: (ما لكم من إله غيره) هو معنى: (لا إله)، وهذا يرد في القرآن كثيراً، فدعوة الرسل واحدة من أولهم إلى آخرهم، وقول رسولنا صلى الله عليه وسلم للمشركين: (قولوا: لا إله إلا الله) هو معنى قول نوح: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، هو معناه تماماً.