للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة العذر بالجهل]

قال الشارح: [قوله: (انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً) النزع هو الجذب بقوة، أخبر أنها لا تنفعه بل تضره وتزيده ضعفاً، وكذلك كل أمر نهي عنه فإنه لا ينفع غالباً، وإن نفع بعضه فضره أكبر من نفعه قوله: (فإنك لو مت وهو عليك ما أفلحت أبداً)؛ لأنه شرك، والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: فيه شاهد لكلام الصحابة رضي الله عنهم أن الشرك الأصغر أكبر الكبائر، وأنه لم يعذر بالجهالة، وفيه الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك].

ذكر المؤلف أنه لا يعذر بالجهل أحد؛ لأنه قال صلوات الله وسلامه عليه: (إنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً)، وهذا الخطاب موجه إلى الصحابي رضوان الله عليه، فيقول: إن هذا يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل؛ لأنه كان جاهلاً بالحكم، ولو كان يعلم أن هذا من الشرك لم يكن ليقدم عليه، ومع ذلك يقول له: (إنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) فدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل، في الأمور التي تعبد الله جل وعلا بها عباده، مثل تعلق ودعاء وطلب النفع، ودفع الضر، وما أشبه ذلك مما هو من توحيد الله جل وعلا.

الإنسان لا يعذر بجهله في ذلك، فكيف بمن صرف أصل العبادة لله جل وعلا في السجود والنداء وطلب كشف الكربات وإجابة الدعوات، وما أشبه ذلك مما يفعله كثير ممن هو في بلاد المسلمين ويصلي ويصوم، ويزعم أنه مسلم في ذلك؟! إذا قارنا بين فعل هؤلاء مع ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تبين البون الشاسع.

وذلك أن الله جل وعلا خلق عباده لعبادته، وفطرهم على ذلك، فالعبادة أمر مفطور عليه الإنسان؛ ولهذا السبب تجد أن الذي لا يعبد الله لا بد أن يعبد غيره، فلا يمكن أن يوجد بنو آدم منفكين عن العبادة نهائياً حتى الملاحدة، الملاحدة الذين يزعمون أنه لا إله والحياة مادة، وأن الأديان كلها خرافة هم يتعبدون، ولكن للشيطان! ويعبدون شهواتهم من فروجهم وبطونهم وساداتهم الذين يوجهونهم ويأمرونهم وينهونهم، فهم عباد لهؤلاء، فسنة الله جل وعلا في خلقه أن الذي لا يعبد الله يعبد الشيطان باختلاف مظاهره.

فالشيطان له مظاهر كثيرة، قد يظهر في مظهر صورة بارزة، وقد يظهر بمظهر شخص، وقد يظهر بمظهر شهوة وهوى، إلى غير ذلك، فالمقصود أن عبادة الله جل وعلا لا يجوز أن يكون الإنسان جاهلاً فيها، بل لا بد أن يكون على علم ويقين.

يدل على هذا أنه جاء في حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل ميت يسأل في قبره عن ثلاث: يقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ وإذا تلعثم أو تردد أو قال: ما أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته؛ لم يقبل ذلك منه، بل يعذب ويقال له: لا دريت ولا تليت، ومعنى ذلك أنك كنت مقلداً ليس عندك علم، وليس عندك يقين وبرهان من هذا الدين الذي جاءت به الرسل، وكنت لا تعبد إلا الله جل وعلا.

فهذا لا يعذر فيه إنسان، ولا بد من مساءلة الميت عن ذلك، فإن كان موقناً عن علم ويقين فإنه يجيب، وإذا كان متردداً جاء بالتردد، ويقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، عند ذلك يعذب، فيضربه الملك بمطراق من حديد يلتهب عليه قبره ناراً -نسأل الله العافية-، وهذا يدلنا على أنه غير معذور بجهله في أصل الدين، فعلى الإنسان أن يهتم بهذا.