ويدلنا هذا على أن الميزان له كفتان، وله لسان كذلك، وهذا اللسان يعرف به ميل أحد الكفتين ورجحانها بالأخرى، وأن الأعمال توضع فيه، وقد جاءت الأحاديث دالة على أن الأعمال توضع فيه، وجاءت أحاديث أخرى تدل على أن الإنسان نفسه يوزن، فيجوز أن يكون هذا وهذا، ثم لسنا بحاجة أن نقول: إن الأعمال تقلب وتجعل أجساداً حتى تظهر مشاهدة في الميزان، لسنا بحاجة إلى هذا، فأمور الآخرة -والله على كل شيء قدير- على خلاف المعهود لنا، ويكفينا أن نعلم أن الأعمال توضع في الميزان، وأنها توزن، كما قال تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:٨]، فلابد من الوزن، ولهذا ينص العلماء على وجوب الإيمان بالميزان في عقائدهم، والسبب في هذا أن بعض أهل البدع أنكر ذلك، وإلا فالعقائد يجب أن تكون مشتملة على كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس معنى كونهم نصوا على مسألة معينة وتركوا الأخرى أن هذه أهم، أو أن هذه يجب اعتقادها وتلك لا يجب، ولكن العلماء هذه طريقتهم، فإذا أُنكِر شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم نصوا عليه في العقائد.
ولهذا تجد في كثير من كتب العقائد أنهم ينصون على أن المسح على الخفين سنة؛ لأن بعض أهل البدع أنكر ذلك فنصوا عليه، وهكذا الميزان، وهكذا حوض النبي صلى الله عليه وسلم، والصراط؛ لأن بعض أهل البدع أنكر هذه الأشياء فنصوا عليها، وإلا فالواجب أن يعتقد الإنسان كل ما جاء به الوحي، سواءٌ أكان في كتاب الله، أم ما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الذي أوحاه الله جل وعلا غير القرآن، وكل ما يلقى إليه وما يقوله صلوات الله وسلامه عليه فهو وحي، قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣ - ٤].