للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قطع حذيفة للخيط واعتباره له من الشرك]

حذيفة بن اليمان رضي الله عنه دخل على رجل مريض يزوره، فمس عضده كعادة الزائر يضع يده على يد المريض أو على رجله أو على رأسه حتى يكون في ذلك مواساة له، ولينظر في بدنه هل فيه حمى؟ حتى يدعو له، فسقطت يده على خيط مربوط في عضده فقال: ما هذا؟ فقال: من الحمى، فقطعه، وتلا هذه الآية، وفي رواية أنه قال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك، لأنه ارتكب شركاً، فتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}.

معلوم أن هذه الآية نزلت في الشرك الأكبر، يعني: في عبادة اللات والعزى ومناة وغيرها من الأصنام والأوثان، وسبق أن عرفنا أن عبادة المشركين لهذه الأصنام هي طلبهم الشفاعة منها، وما كانوا يعتقدون أنها شريكة مع الله، وأنها تتصرف وتنزل المطر أو تحيي الموتى، أو أنها تأخذ بيد عابدها وتضعه في الجنة وتمنعه من النار، ما كان أحدهم يعتقد شيئاً من ذلك أبداً.

وإنما كانوا يعتقدون أنها تشفع لهم عند الله فقط -هذا هو شركهم وعبادتهم- وأنهم ينالون البركة بالجلوس عندها، والطواف عليها؛ فلهذا أخبر الله جل وعلا أنهم إذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله، وإذا سئلوا: من خلق السماوات والأرض؟ قالوا: الله، وإذا سئلوا: من الذي ينزل المطر وينبت النبات؟ يقولون: الله، ولهذا قال العلماء: إيمانهم هو قولهم: إن الله هو الذي خلقهم، وخلق كل شيء، وشركهم كونهم يطلبون الشفاعة من غير الله جل وعلا، ويدعون هذه الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى.

حذيفة رضي الله عنه استدل بهذه الآية على أن تعليق الخيط من أجل الحمى شرك، وقوله: من الحمى، أي: حتى يخفف هذا الخيط ألم الحمى، أو يمنعها، أو يرفعها.

فأخبره أن هذا شرك بالله جل وعلا واستدل بهذه الآية، وفي هذا دليل على أن الصحابة رضوان الله عليهم يدخلون الشرك الأصغر في الأكبر، ويستدلون على منعه وحرمته بما نزل في الشرك الأكبر، وهو دليل على معرفة الصحابة بالشرك دقيقه وجليله، ولم يزل العلماء يستدلون بهذا الشيء.

وما ذكر من الحكم يدل على أن هذا من أعظم المحرمات، المقصود أن كل شيء يفعله الإنسان من هذا النوع يكون له هذا الحكم بخلاف الأدوية الطبيعية التي تكون مركبة سواء كيماوية أو غير كيماوية؛ لأنها ليست من هذا الباب، وإنما هي تقاوم المرض بشيء ظاهر معروف وليست من باب الاعتقاد، أما هذه فهي لا تنفع، بل تضر.