للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل دعاء السر]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وقيل: إن الدعاء هنا: بمعنى التسمية، والمعنى: أي اسم سميتموه به من أسماء الله تعالى، إما الله وإما الرحمن: {فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠]، وهذا من لوازم المعنى في الآية، وليس هو عين المراد، بل المراد بالدعاء معناه المعهود المطرد في القرآن، وهو دعاء السؤال ودعاء الثناء.

ثم قال: إذا عُرف هذا فقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعَاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:٥٥] يتناول نوعي الدعاء، لكنه ظاهر في دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، ولهذا أمر بإخفائه]: إن الذي يُخفى هو دعاء المسألة؛ لأن السلف رضوان الله عليهم كانوا يحرصون على أن يكون عملهم بينهم وبين ربهم فقط، فيُخفون السؤال، ولهذا جاء في وصف ذلك أن دعاءهم كان خفية بينهم وبين ربهم جلَّ وعلا، لا يُظهرونه؛ لأن هذا أقرب إلى الإخلاص وامتثالاً لأمر الله، (وَخُفْيَةً) يعني: في الخفاء، خفية وجاء أيضاً: (وخيفة) يعني: خوفاً أن لا يقبل عمل الإنسان أو يعاقَب على ذنبه، فيكون بين الخوف والرجاء، يخاف من ذنوبه، ويرجو ثواب ربه جلَّ وعلا، وكان أحدهم يكون في فراشه بجوار زوجته، وهو يسأل ربه، ويتضرع إليه، ويبكي وهي لا تشعر بذلك، مبالغةً في إخفاء العمل؛ لأن هذا أقرب إلى الإخلاص لله جلَّ وعلا، بخلاف الذين يحبون أن يُظهروا أعمالهم، بل يطلبون ذلك، ويميلون إليه، فإن هذا العمل قد يكون حابطاً؛ لأنه أريدَ به وجوه الناس، وما أريدَ به وجه الناس وثناؤهم فإن الله لا يقبله، وإنما يقبل الشيء الخالص الذي لا يدخله إرادة النفوس وحظوظها الدنيوية، وإنما يكون تعبُّداً خالصاً لله جلَّ وعلا، ولهذا يقول جلَّ وعلا في الأمم الذي قبلنا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥]، فهو أمر من الله بأن يكون الدين كله خالصاً لله جلَّ وعلا.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال الحسن: بين دعاء السر ودعاء العلانية سبعون ضعفاً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولم يُسمع لهم صوت، إن كان إلَّا همساً بينهم وبين ربهم، وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦]، يتناول نوعي الدعاء، وبكل منهما فُسرت الآية، قيل: أعطيه إذا سألني، وقيل: أثيبه إذا عبدني.

] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] (أجيب): فسرت كلمة (أجيب) بأثيب، وفسرت بأعطي، فإذا كانت بمعنى (أعطي) فيكون الدعاء دعاء مسألة، وإن فسرت بمعنى (أثيب) فيكون الدعاء دعاء عبادة، والآية تعم هذا وهذا، وليس أن هذا يحتمل أن يكون معناها المسألة، ويحتمل أن يكون معناها العبادة، بل كلاهما داخل فيها؛ لأن دعاء المسألة: عبادة، ودعاء العبادة: عبادة من أفضل العبادات، والله جلَّ وعلا يطلب من الخلق ذلك، ولهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بفعله وبقوله، وكذلك الصحابة الذين تعلموا العلم، وتلقوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.