للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من حقوق المسلمين]

قال الشارح رحمه الله: [والآيات والأحاديث في فضل الصدقة كثيرة جداً، ومن كان سعيه للآخرة رغب في هذا ورغَّب، وبالله التوفيق.

قوله: (ومن دعاكم فأجيبوه) هذا من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، إجابة دعوة المسلم، وتلك من أسباب الألفة والمحبة بين المسلمين].

الظاهر أنه إذا دعا الإنسان أخاه يجب عليه أن يجيبه، وقد يكون هذا فيه سؤال وقسم، فيقسم عليه أنه يغديه أو يعشيه أو يقيم اليوم عنده كما يحصل لكثير من الناس الآن، ويتحرج بعض الناس من هذا، وهذا في الواقع إذا كان المقصود الإكرام فإنه لا يلزم إجابته، ولا يلزم الذي أقسم كفارة إذا لم يجبه؛ لأنه أراد إكرامه، وهذا لأن أبا بكر رضي الله عنه لما قص أحد الصحابة رؤيا رآها عند النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: دعني أفسرها، وفسرها ثم قال: أقسمت عليك أن تخبرني هل أصبت أو لم أصب؟ فلم يخبره.

وكذلك لما أمره أن يبقى في الصف، ومعروف أن أمر الرسول واجب، فلما أمره بذلك، قال: ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يصلي بالناس والرسول صلى الله عليه وسلم خلفه.

فإذا عرف الإنسان أنه يريد الإكرام بذلك فلا يلزم إجابته، ولا يلزم المقسم الكفارة في ذلك، أما إذا كان لا يقسم إلا على شيء يريد منه الأمر فيه والنهي عنه، فهذا يجب على المسلم أن يبر قسمه؛ لأن هذا من حق المسلم على المسلم، ولو لم يفعل ذلك لزمته الكفارة.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه)، ندبهم صلى الله عليه وسلم إلى المكافأة على المعروف، فإن المكافأة على المعروف من المروءة التي يحبها الله تعالى ورسوله كما دل عليه هذا الحديث، ولا يهمل المكافأة على المعروف إلا اللئيم من الناس، وبعض اللئام يكافئ على الإحسان بالإساءة كما يقع ذلك كثيراً من بعضهم، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

بخلاف حال أهل التقوى والإيمان فإنهم يدفعون السيئة بالحسنة؛ طاعة لله، ومحبة لما يحبه لهم ويرضاه، كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:٩٦ - ٩٨]، وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٤ - ٣٥]، وهم الذين سبقت لهم من الله تعالى السعادة].

معنى (ادفع بالتي هي أحسن) يعني: ادفع الأذى والإساءة التي نالتك من غيرك بالحسنة، والمعنى: (ادفعها بالحسنة) بأن تحسن إلى من أساء إليك، وهذا لا تتحمله نفوس كثير من الناس، لا يستطيع ذلك، ويقول: كيف يسيء إلي ثم أحسن إليه؟! وإنما يستطيع ذلك من يرغب فيما عند الله، ويعلم أن الدنيا لا قيمة لها، فيكتسب بكل ما يستطيع رضا ربه جل وعلا، وكذلك رفعة الدرجة عنده، ولهذا قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥] يعني: ذو حظ عند الله جل وعلا، وهم الذين يرغبون فيما عنده، ويعملون على تحصيله بعدم الانتقام لأنفسهم، وعدم أخذ حقوقهم، بل يتركونها لله، ومع ذلك يحسنون إلى من ظلمهم وأساء إليهم، رجاء ما عند الله، وليس خوفاً منهم، وإنما يرغبون فيما عند الله فيحسنون إلى من أساء إليهم.

وهذا ليس واجباً على الإنسان، وإنما يستجب، فإن الله جل وعلا يقول في آية أخرى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:٤٠] إذا جازيت المسيء بالسيئة فقد جازيته وصرت مثله، ولكن أنت لا تتميز عنه إلا بأن تعفو عنه، وإن صار عندك خير وفضل عفوت وأحسنت، وهذا لا يصل إليه إلا الأبرار.

[قوله: (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له) أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى أن الدعاء في حق من لم يجد المكافأة مكافأة للمعروف: فيدعو له بحسب معروفه.

قوله: تُروا -بضم التاء أي: تظنوا- أنكم قد كافأتموه، ويحتمل أنها مفتوحة بمعنى: تعلموا، ويؤيده ما في (سنن أبي داود) في حديث ابن عمر: (حتى تعلموا) فتعين الثاني للتصريح به.

وفيه: (ومن سألكم بالله فأجيبوه) أي: إلى ما سأل فيكون بمعنى: أعطوه، وعند أبي داود -في رواية أبي نهيك - عن ابن عباس: (من سألكم بوجه الله فأعطوه)، وفي رواية عبيد الله القواريري لهذا الحديث: (ومن سألكم بالله)، كما في حديث ابن عمر].

روى النسائي: (من صنع إليك معروفاً فقلت: جزاك الله خيراً فقد أبلغت في مكافأته)، وهنا يقول: (فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)، وقلنا: إن المعنى أن تبادروا في الدعاء وتبالغوا فيه حتى يحصل العلم لكم بأنها قد حصلت المكافأة، هذا معناه، فلا ينافي هذا ما ذكره النسائي أنه إذا قال: جزاك الله خيراً فقد كافأه؛ لأن كون الإنسان يقول: جزاك الله خيراً، قد تقبل وقد لا تقبل، والخير يعم الدنيا والآخرة، ومن أعظم الخير أن يدخله الجنة، والدنيا كلها ما تساوي شيئاً بالنسبة للخير الذي يكون في الآخرة.

فالمعنى واضح في قوله: (من قال: جزاك الله خيراً فقد حصلت مكافأته)، وواضح بأن خير الآخرة وإن كان قليلاً فهو أعظم من الدنيا كلها، كما في الحديث الصحيح: (لموضع سوط في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس)، الدنيا كلها لا تساوي موضع سوط، فإذاً: لا منافاة بين ما رواه النسائي وبين هذا الحديث.