قال الشارح: [قوله: (خوفاً من الله عزَّ وجلَّ) وهذا ظاهر في أن السماوات تخاف الله بما يجعل الله تعالى فيها من الإحساس ومعرفة مَن خلقها، وقد أخبر تعالى أن هذه المخلوقات العظيمة تسبحه كما قال تعالى:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمَاً غَفُورَاً}[الإسراء:٤٤]، وقال تعالى:{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدَّاً}[مريم:٩٠]، وقال تعالى:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[البقرة:٧٤]، وقد قرر العلامة ابن القيم رحمه الله أن هذه المخلوقات تسبح الله وتخشاه حقيقةً مستدلاً بهذه الآيات وما في معناها].
للعلماء في هذا قولان: القول الأول: أن التسبيح ليس حقيقة؛ وإنما معنى ذلك أن من رآها سبح الله؛ لأنها دليل على علو الله جلَّ وعلا وعلى عظمته.
القول الثاني: أن التسبيح يصدر منها حقيقةً بلسان يعلمه الله جلَّ وعلا، وكل شيء على حسب ذلك، وهذا هو الصواب، وقد سُمع الطعام يسبح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا الحصى، وكان جذع يابس وُضع ليخطب عليه صلوات الله وسلامه عليه في هذا المسجد، فأمر أن يُتخذ له منبر من الخشب، فلما وُضع المنبر ترك الجذع، فأول ما قام على المنبر ليخطب صار الجذع يحن، فسمعه أهل المسجد كلهم، وكان يحن مثل حنين الناقة إذا فقدت ولدها، حتى نزل صلى الله عليه وسلم والتزمه، فصار يهدأ كما يهدأ الصبي إذا التزمته أمه، فقال:(لو تركتُه لبقي يحن إلى يوم القيامة)؛ بكى لأجل فقد الذكر الذي كان يكون عليه.
وكذلك ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إني لأعرف حجراً في مكة كان يسلِّم عليَّ) أي: يقول: السلام عليك يا رسول الله! حجر يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم! وقد أخبر الله جلَّ وعلا في كتابه عن أشياء كثيرة تتكلم كقوله: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}[فصلت:٢٠ - ٢١]، فالله ينطق الأشياء كلها، فهي تتكلم وتسبح بحمده.
قال الشارح: [وفي البخاري عن ابن مسعود قال: (كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)، وفي حديث أبي ذر:(أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيده حصيات فسُمع لهن تسبيح) الحديث.
وفي الصحيح قصة حنين الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل اتخاذ المنبر، فمثل هذا كثير.