قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قول: (ما شاء الله وشئت): عن قتيلة: (أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة.
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله وشئت) رواه النسائي وصححه].
يعني: ما حكم هذا القول هل هو جائز، أو أنه ممنوع، وإذا كان ممنوعاً فهل هو معصية أو شرك؟ فإن كان معصية؛ فإنه يكون ذاهباً بكمال التوحيد لمن وقع منه، وإن كان شركاً؛ فإنه إما أن يكون ذاهباً بالكمال أو بالكل، على حسب ما يقوم بقلب القائل، وحسب ما يصدر منه.
والجواب عن هذا: أن هذا لا يجوز، وأن قول:(ما شاء الله وشئت) من الشرك، ولكنه من الشرك الأصغر، وقد يكون من شرك الألفاظ، وإذا وافق القلب اللسان في ذلك فإنه أيضاً يكون من شرك الاعتقاد؛ فربما وصل إلى الشرك الأكبر.
وقوله في هذا في حديث قتيلة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يقولوا ذلك، وأن يقولوا:(ما شاء الله ثم شئت) يعني: منع من الشرك وأباح الشيء الذي يعوض عنه، وهو الإتيان بلفظ لا يدل على مساواة المعطوف بالمعطوف عليه، والمعطوف يكون مخلوقاً والمعطوف عليه هو الخالق جل وعلا.
سبق أن قلنا إن هذا لمن يفهم اللغة، أما الذي لا يفهم اللغة ويأتي بثم ومقصوده التسوية، والتشريك فيكون بذلك واقعاً في الشرك، غير أنه يجب أن يفهم الإنسان ما يتكلم به ويفهم كلام الله وكلام رسوله، وهو لا يفهم ذلك إلا إذا عرف اللغة العربية.
وهذا يدلنا على لطف الرسول صلى الله عليه وسلم، وشفقته على أمته، وحمايته جناب التوحيد وكل الطرق التي تفضي إليه، حتى في مثل هذه الألفاظ نهى عنها ومنع منها، فكيف لو حصلت استغاثة بمخلوق أو دعاء له، أو حصل ذبح له، أو نذر ماذا يكون؟ يكون مضاداً لدعوته صلى الله عليه وسلم، ومنافياً لها، ولهذا كانوا يعرفون هذه الأمور تماماً، ولم يقع منهم شيء من ذلك وإنما يقع شيء فيه خفاء لا يعرفه إلا الخواص، مثل هذا اللفظ.