للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب إنكار بعض الناس لحديث سحر اليهودي للنبي صلى الله عليه وسلم]

هذا الحديث أنكره بعض العلماء، وسبب إنكارهم أنهم قالوا: إن هذا يقدح في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يقع هذا السحر والسحر قد يغير الفكر والنظر والمزاج؟ وفي هذا الحديث نفسه في صحيح البخاري رواية أخرى غير هذه عن عائشة أنها قالت: إنه سحر، حتى إنه يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولم يأته، وأنه يصنع الشيء ولم يصنعه، وهذا يقول العلماء: أشد أنواع السحر.

والقاضي عياض حاول أن يؤول هذا الكلام، وقال: معنى (أنه يخيل إليه) يعني: مثلما يحدث للإنسان في نومه أو في يقظته أنه اتصل بأهله ولم يتصل، وليس معناه أنه أثر في عقله أو في فكره صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه معصوم من ذلك، هكذا قال القاضي عياض لئلا يقع في ذلك طعن.

ومعلوم أن السحر الذي وقع عليه هو في بدنه صلوات الله وسلامه عليه، وبدنه ليس معصوماً من أن يناله الأذى، ولهذا جرح يوم أحد، وكسرت البيضة على رأسه، وكسرت رباعيته، وسقط في حفرة من الحفر التي كان يحفرها الفاسق عامر، وحصل له ما حصل، فأنزل الله جل وعلا عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران:١٢٨].

وكذلك كان يمرض صلوات الله وسلامه عليه، فكان يصيبه صداع ويصيبه غير ذلك مما يصيب البشر، فكان بدنه كأبدان الناس، كما قال الله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [فصلت:٦].

أما فكره وعقله وما يوحيه الله جل وعلا إليه فمعصوم مما يخل به.

ويدلنا هذا الحديث على أن السحر قد يؤثر في أي إنسان كان، وقد لا تمنع منه التعوذات والأوراد والأذكار وقد لا تنفع، فالرسول صلى الله هو أكمل الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وقلبه دائماً مع الله جل وعلا، وكذلك هو بنفسه دائماً في عبادة وذكر، ومع ذلك حصل له ما حصل.