للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوفيق بين الروايات والأحاديث الواردة في المستهزئين]

هذه الروايات فيها شيء من التخالف في الظاهر، ولكن في الواقع يمكن التوفيق بينها.

رواية ابن عمر: أن عوف بن مالك سمع هذه المقالة فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواية أخرى: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عمار بن ياسر إليهم وقال: أدرك القوم فقد احترقوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا)، يجوز أن يكون هذا وهذا، أي: أن عوف بن مالك سمع هذه المقالة فأنكرها، وسعى بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا نصحية لله جل وعلا ولرسوله، وليس ذلك من باب النميمة، وهناك فرق بين النصحية والنميمية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إتيان عوف أرسل عمار بن ياسر؛ لأنه جاءه خبر السماء أسرع من مجيء عوف بن مالك، ويكون الجميع وقع.

ثم المقالة التي اعتذروا منها كلهم يقولون: إننا ما قصدنا الحقيقة، وإنما قصدنا الترويح عن أنفسنا، وأن نقطع بهذا الكلام وعثاء الطريق؛ لأن الإنسان إذا تروحت نفسه تنشط وذهب الكلال والتعب، وهم يقولون: هذا الذي قصدناه، وما قصدنا الحقيقة، ولكنهم أخطئوا؛ لأن هذا محله التعظيم، وليس محله الهزل واللعب، ولذلك قيل لهم: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٦]، والآية صريحة واضحة في أنهم كانوا مؤمنين قبل هذه المقالة، وأن الكفر وقع لهم بسبب هذا القول.

قد يقال: لماذا ما أقام عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم الحد؛ لأن أمرهم ظهر وهو كفر، ومن كفر بعد إيمانه يقتل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والمبدل لدينه المفارق للجماعة)، فالذي يبدل دينه يكفر بعد إيمانه، ويجب أن يقتل إلا أن يتوب؟ وأجيب بأنهم -كما ذكرنا- اعتذروا وقالوا: ما قصدنا الحقيقة، وأظهروا التوبة والندم، فإذا كانوا كذلك فيقال لهم: هذا ليس محله، ولكن عذرهم غير مقبول، ويوكل أمرهم إلى أن يظهر من أفعالهم هل كانوا تائبين أم أنهم مصرون على الكفر؟ هذا أمر.