للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من صور الشرك لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء ودفعه]

قال المصنف رحمه الله: [باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه].

بعد ما انتهى المؤلف من باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله قال في آخره: وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب، وهذا أول باب بدأ فيه بالشرح، فهو يذكر ما ينافي التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله أو ينافي كمالها، وبدأ بلبس الحلقة أو الخيط لأجل دفع البلاء الذي لم ينزل، أو لأجل رفعه إذا كان نازلاً في الإنسان.

فمن لبس شيئاً من الملبوسات سواء كان خيطاً، أو خرزات أو نحاساً أو فضة أو تمائم فيها طلاسم أو قراءات أو غير ذلك لأجل هذا، فقد وقع في المحذور، وقع إما فيما ينافي أصل التوحيد أو فيما ينافي كماله الواجب الذي يجب على كل عبد، فيصبح معرضاً لعقاب الله أو معرضاً للخلود في النار، فذكر هذا، وسيأتي ذكر أشياء كثيرة كلها توضح هذا المعنى وتبينه.

وهذه الأمور مما يجب على عموم المسلمين جميعاً أن يعرفوها ويعلموها ويجتنبوها؛ لأنها تنافي أصل دينهم، وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وطريقة المؤلف أنه إذا ذكر هذه الأشياء استدل عليها بآيات من كتاب الله، ثم أتبع ذلك بما يوضح الآيات من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بعد ذلك استدلال، لأن هذا هو الأصل الذي يجب أن يرجع إليه المسلمون: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والإنسان لا يسأل عن غير ذلك، فلا يسأل عن عقله ولا عن قياسه وفكره، ولا عن أوضاعه التي يتعارف عليها الناس ويجد عليها أهل بلده، بل هذه قد تضره ولا تنفعه، وإنما السؤال عن معرفة الله جل وعلا، من يعبد؟ وبأي شيء يعبده؟ ومن الذي جاءه بما يتعبد به؟ هذه الأمور الثلاثة هي التي يسأل عنها كل إنسان يوضع في قبره، يقال له: من ربك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فإن كان متيقناً عارفاً عالماً بذلك فإنه يجيب بكل طمأنينة فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا ينتهي السؤال عند ذلك، بل يقال له بعد ذلك: وما يدريك؟ يعني: هات الدليل على قولك! فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به واتبعت، عند ذلك يكون هذا دليل مقنعاً، وهذا هو الدليل، ولا يقول: نظرت بعقلي، أو نظرت في فكري، أو أخذت ذلك عن شيخي، أو عن أهل بلدي، أو غير ذلك، وإذا قال ذلك فهو هالك.

أما إذا كان غير عالم بذلك، وغير موقن به، فإنه يتلعثم في الجواب ويتردد ويقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، عند ذلك يقال له: لا دريت ولا تليت، يعني: لا تعلمت وعرفت، ولا قرأت كتاب الله القراءة التي تعلم بها ما خلقت من أجله، فيكون هذا مبدأ العذاب، فيضربه الملك الذي يسأله بمطراق من النار يلتهب عليه قبره ناراً، ويصيح صيحة يسمعه كل من يليه من المخلوقات إلا الجن والإنس فإنهم لا يسمعونه؛ لأن عذاب القبر أخفي عن الجن والإنس لأنهم هم المكلفون وهم المرادون به، ولو ظهر ما استطاع أحد أن يدفن أحداً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يريكم عذاب القبر)، ولكن لو ظهر ذلك لما استطاع أحد أن يذهب إلى المقابر لشدة الهول! والمقصود أن هذا أمر واجب متعين حتمي لا بد منه، ويجب على الإنسان أن يعتني به أشد العناية، وقد كثرت هذه الأمور الشركية في الناس من تعليق التمائم ولبس الخيوط والحلق وما أشبه ذلك، ويزعمون أن بها الشفاء أو بها دفع الجن أو دفع عيون الناس أو ما أشبه ذلك، وهذا كله اعتقاد باطل، بل هو إما أن يكون منافياً لأصل الدين الإسلامي أو منافياً لكماله الواجب الذي يجب على الإنسان أن يعمله ويكمل به دينه.

فبدأ بذلك تفسيراً له، وقوله: لدفع البلاء أو رفعه، يعني: أنه إذا لبس هذه الأمور من أجل دفع الشر الذي يتوقع نزوله أو من أجل رفعه بعد حصوله، أما دفعه قبل أن ينزل فبأن يعتقد أن هذا يمنع من إصابة العين أو إصابة الجن أو إصابة حسد الحاسد أو ما أشبه ذلك، أو أنه يمنع الروماتيزم كما يقوله الجهلة الذين لا يعرفون شيئاً من دين الله، أو أنه يزيل المرض الذي يسمى واهنة أو يسمى ريحاً أو غير ذلك، فمن فعل ذلك فإنه قد وقع في الشرك، فإما أن يكون شركاً أكبر منافياً للتوحيد أو يكون شركاً أصغر، فإن كان يعتقد أن هذه الملبوسات من خيوط أو خرزات وحروز وما أشبه ذلك تنفع بنفسها وتدفع، فهذا شرك أكبر يكون منافياً لأصل التوحيد، وإن اعتقد أنها مجرد سبب، والنافع والدافع هو الله جل وعلا؛ فهذا شرك أصغر يكون منافياً لكمال التوحيد، وإن كان اعتقد أن هذا قد يكون سبباً فإن الأسباب لا يجوز تعاطيها إلا إذا كانت مباحة، والأسباب المحرمة لا يجوز فعلها، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن شفاء هذه الأمة ليس فيما حرم عليها، وإنما فيما أباحه الله جل وعلا.