للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيمان المشركين بربوبية الله]

إن القرآن يقص علينا من أول ما بعث الله جلَّ وعلا الرسل إلى آخرهم: أن المشركين الذين بُعثت إليهم الرسل كانوا يؤمنون بأن الله جلَّ وعلا هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، كما قال الله جلَّ وعلا عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧] وقال في الآية الأخرى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٩] وقال في الآية الأخرى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:٣٨] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبين أن المشركين كانوا يعتقدون ويؤمنون بأن التصرف لله وحده في الكون كله: في الحياة والخلق والإيجاد والرزق وغير ذلك، ولهذا يقول الله جلَّ وعلا: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦].

وإيمانهم بالله: أنك إذا سألتهم، وقلت لهم: من خلق هذه الأشياء؟ ومن خلقكم؟ ومن خلق مَن قبلكم؟ قالوا: الله، هو المتفرد بهذا الخلق.

وشركهم: أنهم يعبدون مع الله غيره.

ويقول جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشَاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقَاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادَاً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١ - ٢٢]، أقروا بأن الله جلَّ وعلا هو الذي خلقهم، وهو الذي خلق مَن قبلهم، وهو الذي خلق الأرض وجعلها على هذه الصفة: يمكن الانتفاع بها والاستقرار عليها، وهو الذي رفع السماء، وهو الذي ينزل من السماء الماء، فينبت به النبات الذي يأكلونه وتأكله أنعامهم فينتفعون منه، فلا يوجد أحد منهم ينازع في هذا أو ينكره، ولهذا قال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادَاً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] تعلمون أنه جلَّ وعلا هو المتفرد بهذه الأشياء المذكورة، ليس معه أحد: لا ولي ولا نبي ولا ملَك ولا غير ذلك.